للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى هذا خير لسبقونا إليه، ولدلونا عليه. فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه، وإن كان الذى كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال.

قال: ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة، مثل تكرير بعض الكلمة، كقوله فى التحيات: إت إت، التحى التحى، وفى السلام: أس أس. وقوله فى التكبير: أكككبر ونحو ذلك، فهذا الظاهر بطلان الصلاة به، وربما كان إماماً فأفسد صلاة المأمومين، وصارت الصلاة التى هى من أكبر الطاعات أعظم إبعاداً له عن الله من الكبائر، وما لم تبطل به الصلاة من ذلك فمكروه وعدول عن السنة، ورغبة عن طريقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهديه، وما كان عليه أصحابه. وربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه، وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه، فجمع على نفسه طاعة إبليس ومخالفة السنة، وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها، وتعذيب نفسه وإضاعة الوقت، والاشتغال بما ينقص أجره، وفوات ما هو أنفع له، وتعريض نفسه لطعن الناس فيه، وتغرير الجاهل بالاقتداء به؛ فإنه يقول: لولا أن ذلك فضل لما اختاره لنفسه، وأساء الظن بما جاءت به السنة، وأنه لا يكفى وحده، وانفعال النفس وضعفها للشيطان، حتى يشتد طمعه فيه وتعريضه نفسه للتشديد عليه بالقدر، عقوبة له، وإقامته على الجهل، ورضاه بالخبل فى العقل، كما قال أبو حامد الغزالى وغيره: "الوسوسة سببها إما جهل بالشرع، وإما خبل فى العقل، وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب".

فهذه نحو خمسة عشر مفسدة فى الوسواس، ومفاسده أضعاف ذلك بكثير.

وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث عثمان بن أبى العاص قال: قلت: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنّ الشيطان قَدْ حَالَ بَيْنِى وَبَيْنَ صَلاتِى يُلَبِّسُهَا عَلَىَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى علَيْهِ وَسلّم: ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَب، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفُلْ عَنْ يَسَاركَ ثَلاثاً، فَفَعَلْتُ ذلِكَ، فَأَذْهَبَهُ اللهُ تَعَالَى عَنِّى".

فأهل الوسواس قرة عين خنزب وأصحابه، نعوذ بالله عز وجل منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>