للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما حفظ القوة: فإنه سبحانه أمر المسافر والمريض أن يفطرا فى رمضان، ويقضى المسافر إذا قدم، والمريض إذا برئ، حفظاً لقوتهما عليهما، فإن الصوم يزيد المريض ضعفا، والمسافر يحتاج إلى توفير قوته عليه لمشقة السفر، والصوم يضعفها.

وأما الحمية عن المؤذى: فإنه سبحانه حمى المريض عن استعمال الماء البارد فى الوضوء والغسل، إذا كان يضره، وأمره بالعدول إلى التيمم، حمية له عن ورود المؤذى عليه من ظاهر بدنه، فكيف بالمؤذى له فى باطنه.

وأما استفراغ المادة الفاسدة: فإنه سبحانه أباح للمحرم الذى به أذى من رأسه أن يحلقه، فيستفرغ بالحلق الأبخرة المؤذية له، وهذا من أسهل أنواع الاستفراغ وأخفها، فنبه به على ما هو أحوج إليه منه.

وذاكرت مرة بعض رؤساء الطب بمصر بهذا، فقال: والله لو سافرت إلى الغرب فى معرفة هذه الفائدة لكان سفرا قليلا، أو كما قال.

وإذا عرف هذا، فالقلب محتاج إلى ما يحفظ عليه قوته، وهو الإيمان وأوراد الطاعات، وإلى حمية عن المؤذى الضار، وذلك باجتناب الآثام والمعاصى، وأنواع المخالفات، وإلى استفراغه من كل مادة فاسدة تعرض له، وذلك بالتوبة النصوح، واستغفار غافر الخطيئات. ومرضه هو نوع فساد يحصل له، يفسد به تصوره للحق وإرادته له، فلا يرى الحق حقا، أو يراه على خلاف ما هو عليه، أو ينقص إدراكه له، وتفسد به إرادته له، فيبغض الحق النافع، أو يحب الباطل الضار، أو يجتمعان له، وهو الغالب، ولهذا يفسر المرض الذى يعرض له، تارة بالشك والريب، كما قال مجاهد وقتادة فى قوله تعالى:

{فِى قُلُوبهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: ١٠] . أى شك.

وتارة بشهوة الزنا، كما فسر به قوله تعالى:

{فَيَطْمَعَ الّذِى فِى قَلْبهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: ٣٢] .

<<  <  ج: ص:  >  >>