ولما كان مرض البدن خلاف صحته وصلاحه، وهو خروجه عن اعتداله الطبيعى لفساد يعرض له، يفسد به إدراكه وحركته الطبيعية، فإما أن يذهب إدراكه بالكلية كالعمى والصمم والشلل، وإما أن ينقص إدراكه لضعف فى آلات الإدراك مع استقامة إدراكه، وإما أن يدرك الأشياء على خلاف ما هى عليه، كما يدرك الحلو مرا، والخبيث طيبا، والطيب خبيثا.
وأما فساد حركته الطبيعية: فمثل أن تضعف قوته الهاضمة، أو الماسكة، أو الدافعة أو الجاذبة، فيحصل له من الألم بحسب خروجه عن الاعتدال، ولكن مع ذلك لم يصل إلى حد الموت والهلاك، بل فيه نوع قوة على الإدراك والحركة.
وسبب هذا الخروج عن الاعتدال: إما فساد فى الكمية أو فى الكيفية.
فالأول: إما لنقص فى المادة، فيحتاج إلى زيادتها، وإما لزيادة فيها، فيحتاج إلى نقصانها.
والثانى: إما بزيادة الحرارة، أو البرودة، أو الرطوبة، أو اليبوسة، أو نقصانها عن القدر الطبيعى، فيداوى بمقتضى ذلك، ومدار الصحة على حفظ القوة، والحمية عن المؤذى، واستفراغ المواد الفاسدة. ونظر الطبيب دائر على هذه الأصول الثلاثة، وقد تضمنها الكتاب العزيز، وأرشد إليها من أنزله شفاء ورحمة.