وهذا لا يتوجه إلا على القول بطهارة الأرض بالريح والشمس.
ومن ذلك: أن الذى دلت عليه سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وآثار أصحابه: أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وإن كان يسيراً.
وهذا قول أهل المدينة وجمهور السلف، وأكثر أهل الحديث. وبه أفتى عطاء بن أبى رباح، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، والأوزاعى، وسفيان الثورى، ومالك بن أنس، وعبد الرحمن بن مهدى، واختاره ابن المنذر. وبه قال أهل الظاهر. ونص عليه أحمد فى إحدى روايتيه. وإختاره جماعة من أصحابنا، منهم ابن عقيل فى مفرداته وشيخنا أبو العباس، وشيخه ابن أبى عمر.
وقال ابن عباس رضى الله عنهما: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
"المَاء لا يُنَجسُهُ شَئ" رواه الإمام أحمد.
وفى المسند والسنن عن أبى سعيد قال: "قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَتَوَضّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِىَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيضُ ولُحُومُ الكِلاَبِ وَالنَّتْنُ فَقَال: المَاءُ طَهُورٌ، لا يُنَجسُهُ شئ".
قال الترمذى: "هذا حديث حسن". وقال الإمام أحمد: "حديث بئر بضاعة صحيح".
وفى لفظ للإمام أحمد: "إِنّهُ يُسْتَقَىِ لَكَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِىَ بِئْر يُطْرَحُ فِيهَا حَايِضُ النسَاءِ، وَلَحْمُ الْكِلاَبِ، وَعَذَر النَّاسِ؟ فَقَالَ رَسولُ اللهِ تعالى عليهِ وَسلم: إِنَّ المَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجسُهُ شَىْ".
وفى سنن ابن ماجه من حديث أبى أمامة مرفوعاً:
"المَاءُ لا يُنَجسُهُ شَىْ إِلاّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ، أَوْ طَعْمِهِ، أَوْ لَوْنِه".
وفيها من حديث أبى سعيد الحدرى: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "سُئِلَ عَنِ الْحِيَاضِ الّتِى بَيْنَ مَكّةَ وَالمَدِينَةِ، تَرِدُهَا السبَاعُ وَالْكِلاَبُ وَالْحُمُرُ، وَعَنِ الطّهَارَةِ بهَا؟ فَقالَ: لَها مَا حَمَلَتْ فى بُطُونهَا وَلنَا مَا غَبَرَ طَهُورٌ".
وإن كان فى إسناد هذين الحديثين مقال. فإنا ذكرناهما للاستشهاد لا للاعتماد.
وقال البخارى: قال الزهرى: "لا بأس بالماء ما لم يتغير منه طعم أو ريح أو لون".