وكان الصحابة أقل الأمة تكلفا، اقتداء بنبيهم صلى الله تعالى وسلم. قال الله تعالى:
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلفِينَ}[ص: ٨٦] . وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه:"من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات. فإن الحى لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد، كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوباً، وأعمقها علما، وأقلها تكلفاً. اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم وسيرتهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".
وقال أنس رضى الله عنه:"كنا عند عمر رضى الله عنه، فسمعته يقول: نهينا عن التكلف".
وقال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: "سن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وولاة الأمور بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستعمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر فيما خالفها. من اقتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً".
وقال مالك: بلغنى أن عمر بن الخطاب كان يقول: "سُنَّت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتُركتم على الواضحة، إلا أن تميلوا بالناس يمينا وشمالاً".
وقال صلى الله تعالى عليه وسلم:" يَحْمِلُ هذا العِلُمَ مِنْ كُل خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ".
فأخبر أن الغالبين يحرفون ما جاء به. والمبطلون ينتحلون بباطلهم غير ما كان عليه. والجاهلون يتأولونه على غير تأويله. وفساد الإسلام من هؤلاء الطوائف الثلاثة. فلولا أن الله تعالى يقيم لدينه من ينفى عنه ذلك لجرى عليه ما جرى على أديان الأنبياء قبله من هؤلاء.