للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه. فهذا هو الذى يحيك فى الصدر ويتردد فى القلب، وهو حوازّ القلوب.

وأما التمرة التى ترك رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أكلها، وقال: "أَخْشَى أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ".

فذلك من باب اتقاء الشبهات، وترك ما اشتبه فيه الحلال بالحرام، فإن التمرة كانت قد وجدها فى بيته، وكان يؤتى بتمر الصدقة، يقسمه على من تحل له الصدقة، ويدخل بيته تمر يقتات منه أهله، فكان فى بيته النوعان، فلما وجد تلك التمرة لم يدر عليه الصلاة والسلام، من أى النوعين هى؟ فأمسك عن أكلها. فهذا الحديث أصل فى الورع واتقاء الشبهات، فما لأهل الوسواس وما له؟.

وأما قولكم: إن مالكا أفتى فيمن طلق ولم يدر: أواحدة طلق أم ثلاثا: إنها ثلاث احتياطاً، فنعم، هذا قول مالك، فكان ماذا؟ أفحجة هو على الشافعى، وأبى حنيفة وأحمد، وعلى كل من خالفه فى هذه المسألة؟ حتى يجب عليهم أن يتركوا قولهم لقوله، وهذا القول مما يحتج له، لا مما يحتج به، على أن هذا ليس من باب الوسواس فى شىء وإنما حجة هذا القول: أن الطلاق يوجب تحريم الزوجة. والرجعة ترفع ذلك التحريم، فهو يقول: قد تيقن سبب التحريم، وهو الطلاق، وشك فى رفعه بالرجعة، فإنه يحتمل أن يكون رجعيا فترفعه الرجعة، ويحتمل أن يكون ثلاثاً، فلا ترفعه الرجعة فقد تيقن سبب التحريم، وشك فيما يرفعه.

والجمهور يقولون: النكاح متيقن. والقاطع له المزيل لحل الفرج مشكوك فيه، فإنه يحتمل أن يكون المأتى به رجعياً فلا يزيل النكاح. ويحتمل أن يكون بائنا فيزيله، فقد تيقنا يقين النكاح، وشككنا فيما يزيله. فالأصل بقاء النكاح حتى يتيقن ما يرفعه.

فإن قلتم: فقد تيقن التحريم وشك فى التحليل، قلنا: الرجعية ليست بحرام عندكم ولهذا تجوزون وطأها، ويكون رجعة، إذا نوى به الرجعة.

فإن قلتم: بل هى حرام، والرجعة حصلت بالنية حال الوطء. قلنا: لا ينفعكم ذلك أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>