لمكره، وطلاق السكران، والبتة، وجمع الثلاث، والطلاق بمجرد النية، والطلاق المؤجل المعلوم مجئ أجله، واليمين بالطلاق، وغير ذلك مما تنازع فيه العلماء إذا أوقعه المفتى تقليدا بغير برهان، وقال: ذلك احتياط للفروج. فقد ترك معنى الاحتياط. فإنه يحرم الفرج على هذا، ويبيحه لغيره. فأين الاحتياط هاهنا؟ بل لو أبقاه على حاله حتى تجمع الأمة على تحريمه وإخراجه عمن هو حلال له، أو يأتى برهان من الله ورسوله على ذلك، لكان قد عمل بالاحتياط. ونص على مثل ذلك الإمام أحمد فى طلاق السكران.
فقال فى رواية أبى طالب:"والذى لا يأمر بالطلاق فإنما أتى خصلة واحدة. والذى يأمر بالطلاق فقد أتى خصلتين: حرمها الله عليه وأحلها لغيره". فهذا خير من هذا، فلا يمكن الاحتياط فى وقوع الطلاق إلا حيث أجمعت الأمة. أو كان هناك نص عن الله ورسوله يجب المصير إليه.
قال شيخنا:"والاحتياط حسن، ما لم يفض بصاحبه إلى مخالفة السنة. فإذا أفضى إلى ذلك فالاحتياط ترك هذا الاحتياط"، وبهذا خرج الجواب عن احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِه وَعِرْضِهِ" وقوله: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ" وقوله: "الإِثمُ مَا حَاكَ فى الصَّدْرِ".
فهذا كله من أقوى الحجج على بطلان الوسواس.
فإن الشبهات ما يشتبه فيه الحق بالباطل، والحلال بالحرام، على وجه لا يكون فيه دليل على أحد الجانبين، أو تتعارض الأمارتان عنده، فلا يترجح فى ظنه احداها، فيشتبه عليه هذا بهذا، فأرشده النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى ترك المشتبه والعدول إلى الواضح الجلى.
ومعلوم أن غاية الوسواس أن يشتبه على صاحبه: هل هو طاعة وقربة، أم معصية وبدعة؟ هذا أحسن أحواله، والواضح الجلى هو اتباع طريق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وما سنه للأمة قولا وعملا. فمن أراد ترك الشبهات عدل عن ذلك المشتبه إلى هذا الواضح. فكيف ولا شبهة بحمد الله هناك؟ إذ قد بينت بالسنة أنه تنطع وغلو، فالمصير إليه ترك للسنة، وأخذ بالبدعة، وترك لما يحبه الله تعالى ويرضاه، وأخذ بما يكرهه ويبغضه، ولا يتقرب به إليه البتة، فإنه لا يتقرب إليه إلا بما شرع، لا بما يهواه العبد ويفعله من تلقاء