وأما الحديث فراويه عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه نعيم المجمر. وقد قال:"لا أدرى قوله: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل، من قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، أو من قول أبى هريرة رضى الله عنه؟ "، روى ذلك عنه الإمام أحمد فى المسند.
وأما حديث الحلية، فالحليه المزينة ما كان فى محله، فإذا جاوز محله لم تكن زينة.
فصل
وأما قولكم: إن الوسواس خير مما عليه أهل التفريط والاسترسال، وتمشية الأمر كيف اتفق، وإلى آخره.
فلعمر الله إنهما لطرفاً إفراط وتفريط، وغلو وتقصير، وزيادة ونقصان، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الأمرين فى غير موضع. كقوله:
{وَلا تجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}[الإسراء: ٢٩] . وَقوله:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذَّرْ تبذيرا}[الإسراء: ٢٦] . وقوله:{وَالَّذِينَ إذَا أَنْفقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُروا وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاماً}[الفرقان: ٦٧] . وقوله {وَكُلُوا وَاشْرِبوا ولا تسرفوا إِنّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ}[الأعراف: ٣١] فدين الله بين الغالى فيه والجافى عنه. وخير الناس النمط الأوسط، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلو المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطاً، وهى الخيار العدل، لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو الوسط بين طرفى الجور والتفريط. والآفات إنما ينتظرون إلى الأطراف، والأوساط محمية بأطرافها، فخيار الأمور أوساطها. قال الشاعر:
ومن أعظم مكايده التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته: ما أوحاه قديما وحديثا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور. حتى آل الأمر فيها إلى