وقالت الشافعية والحنفية: يجب، لأن إصابة النجاسة لهما تندر، فلا يشق غسلهما منها.
وغلا بعض الفقهاء من أصحاب أحمد، فأوجب غسلهما فى الوضوء. وهو قول لا يلتفت إليه ولا يعرّج عليه. والصحيح أنه لا يجب غسلهما فى وضوء ولا جنابة ولا من نجاسة.
وأما فعل أبى هريرة رضى الله عنه فهو شئ تأوله، وخالفه فيه غيره، ينكرونه عليه، وهذه المسألة تلقب بمسألة إطالة الغرة، وإن كانت الغرة فى الوجه خاصة.
وقد اختلف الفقهاء فى ذلك، وفيها روايتان عن الإمام أحمد.
إحداهما: يستحب إطالتها، وبها قال أبو حنيفة والشافعى، واختارها أبو البركات ابن تيمية وغيره.
والثانية: لا يستحب، وهى مذهب مالك، وهى اختيار شيخنا أبى العباس.
فالمستحبون يحتجون بحديث أبى هريرة رضى الله عنه قال:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ تَعَالى عَليْه وَآلِه وَسَلَّمَ:"أَنْتُمُ الْغُرُّ المُحَجَّلونَ يوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غرَّته وَتَحْجِيلَهُ" متفق عليه، ولأن الحلية تبلغ من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.
قال النافون للاستحباب: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "إنّ الله حَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا".
والله سبحانه قد حد المرفقين والكعبين، فلا ينبغى تعديهما، ولأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم ينقل من نقل عنه وضوءه أنه تعداهما، ولأن ذلك أصل الوسواس ومادته، ولأن فاعله إنما يفعله قربة وعبادة، والعبادات مبناها على الاتباع، ولأن ذلك ذريعة إلى الغسل إلى الفخذ، وإلى الكتف.
وهذا مما لا يعلم أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه لم يفعلوه ولا مرة واحدة، ولأن هذا من الغلو، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم:"إياكمْ وَالْغُلُوَّ فى الدَّينِ".
ولأنه تعمق، وهو منهى عنه، ولأنه عضو من أعضاء الطهارة، فكره مجاوزته كالوجه.