وأن لا يعبد إلا الله. فإذا نهى الموحد عن ذلك غضب المشركون، واشمأزت قلوبهم، وقالوا: قد تنقص أهل الرتب العالية. وزعم أنهم لا حرمة لهم ولا قدر. ويسرى ذلك فى نفوس الجهال والطغام، وكثير ممن ينسب إلى العلم والدين حتى عادوا أهل التوحيد، ورموهم بالعظائم، ونفروا الناس عنهم. ووالوا أهل الشرك وعظموهم، وزعموا أنهم هم أولياء الله وأنصار دينه ورسوله، ويأبى الله ذلك. فما كانوا أولياءه، وإن أولياؤه إلا المتبعون له الموافقون له، العارفون بما جاء به، الداعون إليه، لا المتشبعون بما لم يعطوا، لابسو ثياب الزور، الذين يصدون الناس عن سنة نبيهم، ويبغونها عوجاً، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
فصل
ولا تحسب أيها المنعم عليه باتباع صراط الله المستقيم، صراط أهل نعمته ورحمته وكرامته أن النهى عن اتخاذ القبور أوثانا وأعياداً وأنصابا، والنهى عن اتخاذها مساجد، أو بناء المساجد عليها، وإيقاد السرج عليها، والسفر إليها، والنذر لها، واستلامها، وتقبيلها، وتعفير الجباه في عرصاتها: غض من أصحابها، ولا تنقيص لهم، ولا تنقص كما يحسبه أهل الإشراك والضلال. بل ذلك من إكرامهم وتعظيمهم واحترامهم، ومتابعتهم فيما يحبونه وتجنب ما يكرهونه. فأنت والله وليهم ومحبهم، وناصر طريقهم وسنتهم، وعلى هديهم ومنهاجهم. وهؤلاء المشركون أعصى الناس لهم، وأبعدهم من هديهم ومتابعتهم. كالنصارى مع المسيح، واليهود مع موسى عليهما السلام، والرافضة مع على رضى الله عنه. فأهل الحق أولى بأهل الحق من أهل الباطل، فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض. والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض.
فاعلم أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن، فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور معرضين عن طريقة من فيها وهديه وسنته، مشتغلين بقبره عما أمر به ودعا إليه. وتعظيم الأنبياء والصالحين ومحبتهم إنما هى باتباع ما دعو إليه من العلم النافع والعمل الصالح، واقتفاء آثارهم، وسلوك طريقتهم دون عبادة قبورهم والعكوف عليها واتخاذها أعياداً.