للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغى فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفى تهييجهما على القبائح فرساً رهان، فإنه صنو الخمر ورضيعه ونائبه وخليفته، وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذى لا يفسخ، وأحكم بينهما شريعة الوفاء التى لا تفسخ، وهو جاسوس القلوب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل فى مكامن القلوب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب إلى محل التخيل، فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة، والرعونة، والحماقة. فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل، وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام، وحلاوة القرآن. فإذا استمع الغناء ومال إليه نقص عقله، وقَلَّ حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله تعالى إيمانه، وثقل عليه قرآنه، وقال: يا رب لا تجمع بينى وبين قرآن عدوك فى صدر واحد، فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه، وأبدى من سره ما كان يكتمه، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب، والزهزهة والفرقعة بالأصابع، فيميل برأسه، ويهز منكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أم رأسه بيديه، ويثب وثبات الدباب، ويدور دوران الحمار حول الدولاب، ويصفق بيديه تصفيق النسوان، ويخور من الوجد كخوران الثيران، وتارة يتأوه تأوه الحزين، وتارة يزعق زعقات المجانين، ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول:

أتذْكُرُ لَيْلَةً وَقَدِ اجْتَمعْنَا ... عَلَى طِيبِ السَّماعِ إلى الصَّبَاحِ؟

وَدَارَتْ بَيْننَا كأْسُ الأغَانى ... فأَسْكَرَتِ النُّفُوسَ بِغَيْرِ رَاحِ

فَلمْ تَرَ فيهِمُ إِلا نَشَاوَى ... سُرُورًا، وَالسُّرُورُ هُنَاك صَاحِى

إذَا نَادَى أَخُو الّلذّاتِ فِيهِ ... أَجابَ الّلهْوُ: حَىَّ عَلَى السَّماحِ

وَلَمْ نْملِكْ سِوَى المُهَجَاتِ شَيْئاً ... أَرَقْنَاهَا لأَلْحَاظِ المِلاَحِ

وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق فى قوم، والعناد فى قوم، والتكذيب فى قوم، والفجور فى قوم، والرعونة فى قوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>