فالغناء يفسد القلب، وإذا فسد القلب هاج فيه النفاق.
وبالجملة. فإذا تأمل البصير حال أهل الغناء، وحال أهل الذكر والقرآن، تبين له حذق الصحابة ومعرفتهم بأدواء القلوب، وأدويتها وبالله التوفيق.
فصل
وأما تسميته قرآن الشيطان.
فمأثور عن التابعين، وقد روى فى حديث مرفوع،
قال قتادة:"لما أهبط إبليس قال: يا رب لعنتنى، فما عملى؟ قال: السحر، قال فما قرآنى؟ قال: الشعر، قال: فما كتابى؟ قال: الوشم، قال: فما طعامى؟ قال: كل ميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فما شرابى؟ قال: كل مسكر، قال: فأين مسكنى؟ قال: الأسواق، قال فما صوتى؟ قال: المزامير، قال: فما مصايدى؟ قال: النساء".
هذا والمعروف فى هذا وقفه، وقد رواه الطبرانى فى "معجمه" من حديث أبى أمامة مرفوعاً إلى النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وقال ابن أبى الدنيا فى كتاب "مكايد الشيطان وحيله" حدثنا أبو بكر التميمى، حدثنا ابن أبى مريم حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا ابن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة عن رسول الله صلى الله عليه سلم قال:"إِنّ إِبْليسَ لَمّا أُنْزِلَ إِلَى الأَرْضِ قالَ: يا رب، أَنْزَلْتَنِى إِلى الأَرْضِ، وَجَعَلتَنى رَجِيمِاً، فَاجْعَلْ لِى بَيْتاً، قالَ: الْحَمَّامُ، قالَ: فَاجْعَلْ لِى مَجْلِساَ، قالَ: الأَسْوَاقُ وَمَجَامِعُ الطُّرُقَاتِ، قالَ: فاجْعَلْ لى طَعاماً، قالَ: كُلُّ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، قالَ: فاجْعَلْ لى شَرَاباً، قالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ، قالَ: فاجْعَلْ لى مُؤَذِّناً، قالَ: المِزْمَارُ، قالَ: فاجْعَلْ لى قُرْآناً، قَالَ: الشَّعْرُ، قالَ: فاجْعَلْ لى كِتَاباً، قالَ: الوَشْمُ، قالَ: فَاجْعلْ لى حَدِيثاً، قالَ: الْكَذِبُ، قالَ: فاجْعَلْ لِى رُسُلاً، قالَ الْكَهَنَةُ، قالَ: فَاجْعَلْ لِى مَصَايِدَ، قالَ: النِّسَاءُ".
وشواهد هذا الأثر كثيرة، فكل جملة منه لها شواهد من السنة، أو من القرآن.