للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الذى لعن المحلل والمحلل له، وأصحابه أعلم الناس بكتاب الله تعالى: فلم يجعلوه زوجاً وأبطلوا نكاحه، ولعنوه.

وأعجب من هذا قول بعضهم: نحن نحتج بكونه سماه "محللاً" فلولا أنه أثبت الحل لم يكن محللاً.

فيقال: هذه من العظائم، فإن هذا يتضمن أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعن من فعل السنة التى جاء بها، وفعل ما هو جائز صحيح فى شريعته، وإنما سماه محللاً لأنه أحل ما حرم الله، فاستحق اللعنة، فإن الله سبحانه حرمها على المطلق، حتى تنكح زوجاً غيره، والنكاح اسم فى كتاب الله وسنة رسوله للنكاح الذى يتعارفه الناس بينهم نكاحاً، وهو الذى شرع إعلانه، والضرب عليه بالدفوف، والوليمة فيه، وجعل للإيواء والسكن، وجعله الله مودة ورحمة، وجرت العادة فيه بضد ما جرت به فى نكاح المحلل، فإن المحلل لم يدخل على نفقة ولا كسوة، ولا سكنى، ولا إعطاء مهر، ولا تحصل نسب ولا صهر، ولا قصد المقام مع الزوجة، وإنما دخل عارية كالتيس المستعار للضراب، ولهذا شبهه به النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثم لعنه، فعلم قطعاً [لا شك فيه أنه ليس هو الزوج المذكور فى القرآن، ولا نكاحه هو النكاح المذكور فى القرآن، وقد فطر الله سبحانه قلوب الناس على أن هذا] ليس بنكاح، ولا المحلل بزوج، وأن هذا منكر قبيح تعير به المرأة والزوج، والمحلل والولى، فكيف يدخل هذا فى النكاح الذى شرعه الله ورسوله، وأحبه، وأخبر أنه سنته، ومن رغب عنه فليس منه؟

وتأمل قوله تعالى: {فَإِنْ طَلّقَهَا فَلا جُنَاحِ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: ٢٣٠] .

أى فإن طلقها هذا الثانى، فلا جناح عليها وعلى الأول أن يتراجعا، أى ترجع إليه بعقد جديد، فأتى بحرق "إن" الدالة على أنه يمكنه أن يطلق وأن يقيم، والتحليل الذى يفعله هؤلاء لا يتمكن الزوج فيه من الأمرين، بل يشرطون عليه أنه متى وطئها فهى طالق، ثم لما علموا أنه قد لا يخبر بوطئها ولا يقبل قولها فى وقوع الطلاق، انتقلوا إلى أن جعلواً الشرط إخبار المرأة بأنه دخل بها، فبمجرد إخبارها بذلك تطلق عليه، والله سبحانه أنه شرع النكاح للوصلة الدائمة

<<  <  ج: ص:  >  >>