فالإلزام إما من الشارع، وإما من الإمام بالفرقة إذا لم يقم الزوج بالواجب: هو من موارد الاجتهاد.
وأصل هذا: أن الله سبحانه وتعالى لما كان يبغض الطلاق لما فيه من كسر الزوجة وموافقة رضى عدوه إبليس حيث يفرح بذلك، ويلتزم من يكون على يديه من أولاده ويدنيه منه، ومفارقة طاعته بالنكاح الذى هو واجب أو مستحب، وتعريض كل من الزوجين للفجور والمعصية، وغير ذلك من مفاسد الطلاق. وكان مع ذلك قد يحتاج إليه الزوج أو الزوجة وتكون المصلحة فيه، شرعه على وجه تحصل به المصلحة وتندفع به المفسدة، وحرمه على غير ذلك الوجه. فشرعه على أحسن الوجوه وأقربها لمصلحة الزوج والزوجة.
فشرع له أن يطلقها طاهراً من غير جماع طلقة واحدة، ثم يدعها حتى تنقضى عدتها، فإن زال الشر بينهما وحصلت الموافقة، كان له سبيل إلى لم الشعث وإعادة الفراش، كما كان، وإلا تركها حتى انقضت عدتها، فإن تبعتها نفسه كان له سبيل إلى خطبتها، وتجديد العقد عليها برضاها، وإن لم تتبعها نفسه تركها فنكحت من شاءت.
وجعل العدة ثلاثة قروء ليطول زمن المهلة والاختيار.
فهذا هو الذى شرعه وأذن فيه.
ولم يأذن فى إبانتها بعد الدخول إلا بالتراضى بالفسخ والافتداء، فإذا طلقها مرة بعد مرة بقى له طلقة واحدة. فإذا طلقها الثالثة حرمها عليه عقوبة له، ولم يحل له أن ينكحها حتى تنكح زوجاً غيره ويدخل بها ثم يفارقها بموت أو طلاق.
فإذا علم أن حبيبته تصير إلى غيره فيحظى به دونه أمسك عن الطلاق.
فلما رأى أمير المؤمنين أن الله سبحانه عاقب المطلق ثلاثاً بأن حال بينه وبين زوجته وحرمها عليه حتى تنكح زوجاً غيره، علم أن ذلك لكراهته الطلاق المحرم وبغضه له. فوافقه أمير المؤمنين فى عقوبته لمن طلق ثلاثاً جميعاً بأن ألزمه بها وأمضاها عليه.
فإن قيل: فكان أسهل من ذلك أن يمنع الناس من إيقاع الثلاث، ويحرمه عليهم ويعاقب بالضرب والتأديب من فعله، لئلا يقع المحذور الذى يترتب عليه.