قيل: نعم لعمر الله، قد كان يمكنه ذلك ولذلك ندم عليه فى آخر أيامه، وود أنه كان فعله.
قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلى فى مسند عمر: أخبرنا أبو يعلى: حدثنا صالح ابن مالك: حدثنا خالد بن يزيد بن أبى مالك عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: ما ندمت على شىء ندامتى على ثلاث: أن لا أكون حرمت الطلاق، وعلى أن لا أكون أنكحت الموالى، وعلى أن لا أكون قتلت النوائح.
ومن المعلوم أنه رضى الله عنه لم يكن مراده تحريم الطلاق الرجعى، الذى أباحه الله تعالى وعلم بالضرورة من دين رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جوازه. ولا الطلاق المحرم الذى أجمع المسلمون على تحريمه كالطلاق فى الحيض، وفى الطهر المجامع فيه. ولا الطلاق قبل الدخول الذى قال الله تعالى فيه:{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَّلْقتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة: ٢٣٦] .
هذا كله من أبين المحال أن يكون عمر رضى الله عنه أراده: فتعين قطعاً أنه أراد تحريم إيقاع الثلاث، فعلم أنه إنما كان أوقعها لاعتقاده جواز ذلك، ولذلك قال: إن الناس قد استعجلوا فى شئ كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟ وهذا كالصريح فى أنه غير حرام عنده، وإنما أمضاه لأن المطلق كانت له فسحة من الله تعالى فى التفريق فرغب عما فسحه الله تعالى له إلى الشدة والتغليظ. فأمضاه عمر رضى الله عنه عليه، فلما تبين له بأخرة ما فيه من الشر والفساد ندم على أن لا يكون حرم عليهم إيقاع الثلاث ومنعهم منه. وهذا مذهب الأكثرين: مالك، وأحمد، وأبى حنيفة رحمهم الله.
فرأى عمر رضى الله عنه أن المفسدة تندفع بإلزامهم به. فلما تبين له أن المفسدة لم تندفع بذلك وما زاد الأمر إلا شدة، أخبر أن الأولى كان عُدوله إلى تحريم الثلاث الذى يدفع المفسدة من أصلها. واندفاع هذه المفسدة بما كان عليه الأمر فى زمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأبى بكر، وأول خلافة عمر رضى الله عنهما أولى من ذلك كله. ولا يندفع الشر والفساد بغيره البتة ولا يصلح الناس سواه، ولهذا لما رغب عنه كثير من الناس احتاجوا إلى أحد أمرين لابد لهم منهما: إما الدخول فيما لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعله وتابع عليه اللعنة، وإما التزام الآصار والأغلال ورؤية حبيبته حسرة.