والذى شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ودلت عليه السنة الصحيحة الصريحة يخلص من هذا وهذا ولكن تأتى حكمة الله تعالى أن يفتح للظالمين المتعدين لحدوده، الراغبين عن تقواه وطاعته أبواب اليسر والفرج السهولة. فإن الله سبحانه وتعالى إنما جعل ذلك لمن اتقاه والتزم طاعته وطاعة رسوله، كما قال تعالى فى السورة التى بين فيها الطلاق، وأحكامه وحدوده وما شرعه لعباده:
{وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}[الطلاق: ٢] وقال فيها {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}[الطلاق: ٤] وقال فيها {وَمَنْ يَتَّقِ الله يُكفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاَتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}[الطلاق: ٥] .
فمن طلق على غير تقوى الله كان حقيقاً أن لا يجعل الله له مخرجاً وأن لا يجعل له من أمره يسراً.
وقد أشار إلى هذا بعينه الصحابة حيث قال ابن عباس، وابن مسعود، لمن طلق ثلاثاً جميعاً: إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجاً.
وقال شعبة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد: سئل ابن عباس عن رجل طلق امرأته مائة؟ فقال: عصيت ربك: وبانت منك امرأتك، إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجاً.
وقال الأعمش: عن مالك بن الحارث عن ابن عباس: أن رجلاً أتاه فقال: إن عمى طلق امرأته ثلاثاً، فقال: إن عمك عصى الله فلم يجعل له مخرجاً، فاندمه الله تعالى، أطاع الشيطان فقال: أفلا يحللها له رجل؟ فقال من يخادع الله يخدعه.
والله تعالى قد جرت سنته فى خلقه بأن يحرم الطيبات شرعاً وقدرَاً على من ظلم وتعدى حدوده وعصى أمره، وأن ييسر للعسرى من بخل بما أمره به فلم يفعله، واستغنى عن طاعته باتباع شهواته وهواه، كما أنه سبحانه ييسر لليسرى من أعطى واتقى وصدق بالحسنى.
فهذا نهاية إقدام الناس فى باب الطلاق.
يبقى أن يقال: فإذا خفى على أكثر الناس حكم الطلاق، ولم يفرقوا بين الحلال والحرام منه جهلاً، وأوقعوا الطلاق المحرم يظنونه جائزا هل يستحقون العقوبة بالإلزام به،