للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسمى الصحابة من أظهر عقد التبايع ومقصود به الربا خداعاً لله، وهم المرجوع إليهم فى هذا الشأن والمعوّل عليهم فى فهم القرآن. وقد تقدم عن عثمان، وعبد الله بن عمر، وغيرهما أنهما قالا فى المطلقة ثلاثا: لا يحلها إلا نكاح رغبة، لا نكاح دِلسة.

قال أهل اللغة: المدالسة: المخادعة.

وقال أيوب السختيانى فى المحتالين: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، فلو أتوا الأمر عياناً كان أهون علىّ.

وقال شريك بن عبد الله القاضى فى كتاب الحيل: هو كتاب المخادعة.

وكذلك المعاهدون إذا أظهروا للرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنهم يريدون سلمه، وهم يقصدون بذلك المكُر به من حيث لا يشعر. فيظهرون له أمانا ويبطنون له خلافه. كما أن المحلل والمرابى يظهران النكاح والبيع المقصودين، ومقصود هذا الطلاق بعد استفراش المرأة، ومقصود الآخر ما تواطآ عليه قبل إظهار العقد، من بيع الألف الحالة بالألف والمائتين إلى أجل، فمخالفة ما يدل عليه العقد شرعاً أو عرفاً خديعة.

قال: وتلخيص ذلك أن مخادعة الله تعالى حرام، والحيل مخادعة لله.

بيان الأول: أن الله تعالى ذم المنافقين بالمخادعة وأخبر أنه خادعهم، وخدعه للعبد عقوبة تستلزم فعله للمحرم.

وبيان الثانى: أن ابن عباس وأنساً وغيرهما من الصحابة والتابعين أفتوا أن التحليل ونحوه من الحيل مخادعة لله تعالى، وهم أعلم بكتاب الله تعالى.

الثانى: أن المخادعة إظهار شئ من الخير وإبطان خلافه كما تقدم.

الثالث: أن المنافق لما أظهر الإسلام، ومراده غيره، سمى مخادعا لله تعالى، وكذلك المرابى. فإن النفاق والربى من باب واحد. فإذا كان هذا الذى أظهر قولاً غير معتقد ولا مريد لما يفهم منه، وهذا الذى أظهر فعلاً غير معتقد ولا مريد لما شرع له مخادعاً. فالمحتال لا يخرج عن أحد القسمين: إما إظهار فعل لغير مقصوده الذى شرع له، أو إظهار قول لغير مقصوده الذى شرع له. وإذا كان مشاركاً لهما فى المعنى الذى سميا به مخادعين وجب أن يشركهما فى اسم الخداع، وعلم أن الخداع اسم لعموم الحيل لا لخصوص هذا النفاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>