وقال فى أهل العهد:{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ}[الأنفال: ٦٢] .
فأخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء المخادعين مخدوعون، وهم لا يشعرون أن الله تعالى خادع من خدعه، وأنه يكفى المخدوع شر من خدعه.
والمخادعة: هى الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه، ليحصل مقصود المخادع. وهذا موافق لاشتقاق اللفظ فى اللغة. فإنهم يقولون: طريق خيدع، إذا كان مخالفاً للقصد لا يشعر به ولا يفطن له، ويقال للسراب الخيدع، لأنه يغر من يراه، وضب خدَعِ، أى مراوغ. كما قالوا: أخدع من ضب، ومنه:"الحرب خدعة" وسوق خادعة، أى متلونة، وأصله: الإخفاء والستر. ومنه سميت الخزانة مخدعاً.
فلما كان القائل "آمنت" مظهراً لهذه الكلمة، غير مريد حقيقتها المرعية المطلوبة شرعاً، بل مريد لحكمها وثمرتها فقط مخادعاً، كان المتكلم بلفظ "بعت" و "اشتريت" و "طلقت" و "نكحت" و"خالعت" و "آجرت"، و "ساقيت" و "أو صيت" غير مريد لحقائقها الشرعية المطلوبة منها شرعاً، بل مريد لأمور أخرى غير ما شرعت له، أو ضد ما شرعت له مخادعاً. ذاك مخادع فى أصل الإيمان، وهذا مخادع فى أعماله وشرائعه.
قال شيخنا: وهذا ضرب من النفاق فى آيات الله تعالى وحدوده، كما أن الأول نفاق فى أصل الدين.
يؤيد ذلك: ما رواه سعيد بن منصور عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما "أنه جاءه رجل فقال: إن عمى طلق امرأته ثلاثا، أيحلها له رجل؟ فقال: من يخادع الله يخدعه".
وعن أنس بن مالك: أنه سئل عن العينة، يعنى بيع الحريرة؟ فقال: إن الله تعالى لا يخدع، هذا ما حرم الله تعالى ورسوله. رواه أبو جعفر محمد بن سليمان الحافظ المعروف بمُطَين فى كتاب البيوع له.
وعن ابن عباس: أنه سئل عن العِينة، يعنى بيع الحريرة، فقال: إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله تعالى ورسوله، رواه الحافظ أبو محمد النخشى.