للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقوبتين، وما هى من الظالمين ببعيد وقد جاء ذكر المسخ والخسف فى عدة أحاديث تقدم ذكر بعضها.

فصل

وقد أخبر صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن طائفة من أمته تستحل الربا باسم البيع كما أخبر عن استحلالهم الخمر باسم آخر.

فروى ابن بطة بإسناده عن الأوزاعى عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "يَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَسْتَحِلُّونَ الرِّبَا بِالْبَيْعِ".

يعنى العينة، وهذا وإن كان مرسلاً فإنه صالح للاعتضاد به بالاتفاق، وله من المسندات ما يشهد له، وهى الأحاديث الدالة على تحريم العينة. فإنه من المعلوم أن العينة عند مستحلها إنما يسميها بيعاً، وفى هذا الحديث بيان أنها ربا لا بيع، فإن الأمة لم يستحل أحد منها الربا الصريح، وإنما استحل باسم البيع وصورته، فصوروه بصورة البيع وأعاروه لفظه.

ومن المعلوم أن الربا لم يحرم لمجرد صورته ولفظه، وإنما حرم لحقيقته ومعناه ومقصوده، وتلك الحقيقة والمعنى والمقصود قائمة فى الحيل الربوية كقيامها فى صريحه سواء، والمتعاقدان يعلمان ذلك من أنفسهما ويعلمه من شاهد حالهما، والله يعلم أن قصدهما نفس الربا، وإنما توسلاً إليه بعقد غير مقصود وسمياه باسم مستعار غير اسمه. ومعلوم أن هذا لا يدفع التحريم ولا يرفع المفسدة التى حرم الربا لأجلها، بل يزيدها قوة وتأكيدا من وجوه عديدة.

منها: أنه يقدم على مطالبة الغريم المحتاج بقوة لا يقدم بمثلها المربى صريحاً، لأنه واثق بصورة العقد واسمه.

ومنها: أنه يطالبه مطالبه معتقد حل تلك الزيادة وطيبها بخلاف مطالبه المربى صريحا.

ومنها: اعتقاده أن ذلك تجارة حاضرة مدارة. والنفوس أرغب شئ فى التجارة، فهو فى ذلك بمنزلة من أحب امرأة حباً شديداً ويمنعه من وصالها كونها محرمة عليه. فاحتال إلى أن أوقع بينه وبينها صورة عقد لا حقيقة له، يأمن به من بشاعة الحرام وشناعته، فصار

<<  <  ج: ص:  >  >>