للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستحل الشراب المسكر، زاعما أنه ليس خمراً مع علمه أن معناه معنى الخمر ومقصوده مقصوده وعمله عمله أفسد تأويلا. فإن الخمر اسم لكل شراب مسكر كما دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة، وقد جاء هذا الحديث عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من وجوه أخرى.

منها: ما رواه النسائى عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "يشرب ناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها" وإسناده صحيح.

ومنها: ما رواه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت يرفعه: "يشرب ناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها" ورواه الإمام أحمد، ولفظه: "ليستحلنّ طائفة من أمتى الخمر".

ومنها: ما رواه ابن ماجه أيضاً من حديث أبى أمامة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "لا تذهب الليالى والأيام حتى تشرب طائفة من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها".

فهؤلاء إنما شربوا الخمر استحلالاً لما ظنوا أن المحرم مجرد ما وقع عليه اللفظ، وأن ذلك اللفظ لا يتناول ما استحلوه. وكذلك شبهتهم فى استحلال الحرير والمعازف، فإن الحرير أبيح للنساء وأبيح للضرورة، وفى الحرب. وقد قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الّتِى أخْرَجَ لِعبَادِهِ} [الأعراف: ٣٢] .

والمعازف قد أبيح بعضها فى العرس ونحوه، وأبيح الحداء، وأبيح بعض أنواع الغناء. وهذه الشبهة أقوى بكثير من شبه أصحاب الحيل. فإذا كان من عقوبة هؤلاء: أن يمسخ بعضهم قردة وخنازير، فما الظن بعقوبة من جرمهم أعظم، وفعلهم أقبح؟ فالقوم الذين يخسف بهم ويمسخون،. إنما فعل ذلك بهم من جهة التأويل الفاسد الذى استحلواً به المحارم بطريق الحيلة، وأعرضواً عن مقصود الشارع وحكمته فى تحريم هذه الأشياء. ولذلك مسخواً قردة وخنازير كما مسخ أصحاب السبت بما تأولوا من التأويل الفاسد الذى استحلواً به المحارم، وخسف ببعضهم كما خسف بقارون، لأن فى الخمر والحرير والمعازف من الكبر والخيلاء ما فى الزينة التى خرج فيها قارون على قومه، فلما مسخوا دين الله تعالى مسخهم الله، ولما تكبروا عن الحق أذلهم الله تعالى، فلما جمعوا بين الأمرين جمع الله لهم بين هاتين

<<  <  ج: ص:  >  >>