للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صورته مع بقاء حقيقته، فمداره على تغيير الاسم مع بقاء المسمى، وتغيير الصورة مع بقاء الحقيقة. فإن المحلل مثلا غير اسم التحليل إلى اسم النكاح، واسم المحلل إلى الزوج، وغير مسمى التحليل بأن جعل صورته صورة النكاح، والحقيقة حقيقة التحليل.

ومعلوم قطعاً أن لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على ذلك إنما هو لما فيه من الفساد العظيم الذى اللعنة من بعض عقوبته، وهذا الفساد لم يزل بتغيير الاسم والصورة مع بقاء الحقيقة، ولا بتقديم الشرط من صلب العقد إلى ما قبله. فإن المفسدة تابعة للحقيقة، لا للاسم ولا لمجرد الصورة.

وكذلك المفسدة العظيمة التى اشتمل عليها الربا لا تزول بتغيير اسمه من الربا إلى المعاملة ولا بتغيير صورته من صورة إلى صورة، والحقيقة معلومة متفق عليها بينهما قبل العقد يعلمها من قلوبهما عالم السرائر فقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد، ثم غير اسمه إلى المعاملة، وصورته إلى التبايع الذى لا قصد لهما فيه ألبتة وإنما هو حيلة ومكر ومخادعة الله تعالى ولرسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.

وأىّ فرق بين هذا وبين ما فعلته اليهود من استحلال ما حرم الله عليهم من الشحوم بتغيير اسمه وصورته؟ فإنهم أذابوه حتى صار ودكا وباعوه وأكلواً ثمنه وقالوا: إنما أكلنا الثمن، لا المثمن، فلم نأكل شحماً.

وكذلك من استحل الخمر باسم النبيذ كما فى حديث أبى مالك الأشعرى رضى الله عنه عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: "ليشربنّ ناس من أمتى الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والقينات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير".

وإنما أتى هؤلاء من حيث استحلوا المحرمات بما ظنوه من انتفاء الاسم، ولم يلتفتوا إلى وجود المعنى المحرم وثبوته، وهذا بعينه هو شبهة اليهود فى استحلال بيع الشحم بعد جمله، واستحلال أخذ الحيتان يوم الأحد بما أو أوقعوها به يوم السبت فى الحفائر والشباك من فعلهم يوم الجمعة، وقالوا: ليس هذا صيد يوم السبت، ولا استباحة لنفس الشحم بل الذى

<<  <  ج: ص:  >  >>