للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الحادى عشر: وهو ما روى ابن عباس قال: "بَلَغَ عُمَرَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ أنّ فُلاناً بَاعَ خَمْراً. فقَالَ: قَاتَلَ اللهُ فُلاناً، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ تَعالَى عَليْهِ وآله وسّلمَ قَالَ: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، حُرّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا" متفق عليه.

قال الخطابى: "جملوها" معناه: أذابوها حتى تصير ودكا فيزول عنها اسم الشحم يقال: جملت الشحم، وأجملته، واجتملته. والجميل: الشحم المذاب.

وعن جابر بن عبد الله: أنه سمع النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: "إِنّ اللهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمرِ وَالمَيْتَةِ، وَالْخَنْزِيرِ، وَالأَصّنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ فإِنّهَا يُطْلَى بهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِح بهَا النّاسُ؟ فَقَالَ: لا، هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قالَ رَسُولُ الله صلى اللهُ تعالى عليه وآله وسلم عِنْدَ ذلِكَ: قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثمَنَهُ" رواه البخارى وأصله متفق عليه.

قال الإمام أحمد، فى رواية صالح، وأبى الحارث فى أصحاب الحيل: عمدواً إلى السنن، فاحتالوا فى نقضها، فالشئ الذى قيل إنه حرام احتالوا فيه حتى أحلوه. ثم احتج بهذا الحديث، وحديث: "لَعَنَ اللهُ المُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ".

قال الخطابى قد ذكر حديث الشحوم: فى هذا الحديث بطلان كل حيلة يحتال بها المتوصل إلى المحرم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئة وتبديل اسمه، وقد مثلت حيلة أصحاب الشحوم بمن قيل له: لا تقرب مال اليتيم، فباعه وأخذ ثمنه فأكله وقال: لم آكل نفس مال اليتيم. أو اشترى شيئاً فى ذمته ونقده وقال: هذا قد ملكته وصار عوضه دينا فى ذمتى، فإنما أكلت ما هو ملكى باطناً وظاهراً.

ولولا أن الله سبحانه رحم هذه الأمة بأن نبيها نبههم على ما لعنت به اليهود، وكان السابقون منها فقهاء أتقياء، علموا مقصود الشارع، فاستقرت الشريعة بتحريم المحرمات: من الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها وإن تبدلت صورها، وبتحريم أثمانها، لطرَّق الشيطان لأهل الحيل ما طرق لهم فى الأثمان ونحوها. إذ البابان باب واحد على ما لا يخفى.

الوجه الثانى عشر: أن باب الحيل المحرمة مداره على تسمية الشئ بغير اسمه، على تغيير

<<  <  ج: ص:  >  >>