له من الألم قبل حصوله، ومن النكد فى حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد فوته، أضعاف أضعاف ما فى حصوله له من اللذة:
فَمَا فى الأرْضِ أَشْقَى مِنْ مُحِبٍّ ... وَإِنْ وَجَدَ الهَوَى حُلْوَ المذَاقِ
تَرَاهُ بَاكِيًا فى كلِّ ... حَالٍمَخَافَةَ فُرْقةٍ، أَوْ لاشْتِياقِ
فَيَبْكِى إنْ نَأَوْا، شَوْقاً إلَيْهِمْ ... وَيَبْكِى إِنْ دَنَوْا، حَذرَ الْفِرَاقِ
فَتَسْخنُ عَيْنُهُ عِنْدَ التَّلاقى ... وَتَسْخنُ عَيْنُهُ عِنْدَ الْفِرَاقِ
وهذا أمر معلوم بالاستقراء والاعتبار والتجارب، ولهذا قال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى الحديث الذى رواه الترمذى وغيره: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه" فذِكْره: جميع أنواع طاعته، فكل من كان فى طاعته فهو ذاكره، وإن لم يتحرك لسانه بالذكر، وكل من والاه الله فقد أحبه وقربه؛ فاللعنة لا تنال ذلك إلا بوجهه، وهى نائلة كل ما عداه.
الوجه السابع: أن اعتماد العبد على المخلوق وتوكله عليه يوجب له الضرر من جهته هو ولا بد، عكس ما أمله منه، فلا بد أن يخذل من الجهة التى قدر أن ينصر منها، ويذم من حيث قدر أن يحمد، وهذا أيضا كما أنه ثابت بالقرآن والسنة فهو معلوم بالاستقراء والتجارب، قال تعالى:
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزا كَلا سيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدا} [مريم: ٨١- ٨٢] وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [يس: ٧٤- ٧٥] .
أى يغضبون لهم ويحاربون، كما يغضب الجند ويحارب عن أصحابه، وهم لا يستطيعون نصرهم، بل هم كَل عليهم. وقال تعالى:
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلِكنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الّتِى يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَىْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: ١٠١] . أى غير تخسير، وقال تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إلهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المُعَذَّبِينَ} [الشعراء: ٢١٣] وقال تعالى: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً} [الإسراء: ٢٢] .
فإن المشرك يرجو بشركه النصر تارة، والحمد والثناء تارة، فأخبر سبحانه أن مقصوده ينعكس عليه، ويحصل له الخذلان والذم.
والمقصود: أن هذين الوجهين فى المخلوق وضدهما فى الخالق سبحانه. فصلاح القلب