للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

إذا كان كل عمل فأصله المحبة والإرادة، والمقصود به التنعم بالمراد المحبوب، فكل حى إنما يعمل لما فيه تنعمه ولذته. فالتنعم هو المقصود الأول من كل قصد وكل حركة، كما أن العذاب والتألم هو المكروه المقصود أولا بكل بغض وكل امتناع وكف، ولكن وقع الجهل والظلم من بنى آدم بمعنيين: بالدين الفاسد، والدنيا الفاجرة، طلبوا بهما النعيم وفى الحقيقة فإنما فيهما ضده. ففاتهم النعيم من حيث طلبوه، وآثروه، ووقعوا فى الألم والعذاب من حيث هربوا منه.

وبيان ذلك: أن الأعمال التى يعملها جميع بنى آدم إما أن يتخذوها دينا أو لا يتخذوها دينا.

والذين يتخذونها دينا إما أن يكون الدين بها دين حق، وإما أن يكون دينا باطلا.

فنقول: النعيم التام: هو فى الدين الحق علما وعملا. فأهله هم أصحاب النعيم الكامل. كما أخبر الله تعالى بذلك فى كتابه فى غير موضع، كقوله:

{اهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦-٧] .

وقوله عن المتقين المهتدين بالكتاب: {أُولئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [البقرة: ٥] وقوله {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّى هُدًى فَمَنِ اتْبَعَ هُدَاى فَلاَ يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: ١٢٣] وفى الآية الأخرى {فَمَنْ تَبِعَ هُدَاى فَلاَ خَوفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٣٨] ، وقوله: {إِنَّ الأَبْرَارَ لفِى نَعِيمٍ وَإنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ} [الانفطار: ١٣-١٤] .

فوعد أهل الهدى والعمل الصالح بالنعيم التام فى الدار الآخرة، ووعيد أهل الضلال والفجور بالشقاء فى الدار الآخرة مما اتفقت عليه الرسل، من أولهم إلى آخرهم، وتضمنته الكتب.

ولكن نذكر هاهنا نكتة نافعة. وهى: أن الإنسان قد يسمع ويرى ما يصيب كثيرا من أهل الإيمان فى الدنيا من المصائب، وما ينال كثيرا من الكفار والفجار والظلمة فى الدنيا من الرياسة والمال، وغير ذلك، فيعتقد أن النعيم فى الدنيا لا يكون إلا للكفار والفجار، وأن المؤمنين حظهم من النعيم فى الدنيا قليل، وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة فى الدنيا قد تستقر للكفار والمنافقين على المؤمنين. فإذا سمع فى القرآن قوله تعالى:

{وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>