للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر من كبار القوم: ما على الخلق أضر من الخالق.

وكان بعضهم يتمثل:

إذَا كانَ هذَا فِعْلُهُ مُحِبِّة ... فمَا تَرَاهُ فى أَعَادِيهِ يَصْنَعُ؟

وأنت تشاهد كثيرا من الناس إذا أصابه نوع من البلاء يقول: يا ربى ما كان ذنبى، حتى فعلت بى هذا؟

وقال لى غير واحد: إذا تبت إليه وأنبت وعملت صالحا ضيق على رزقى، ونكد على معيشتى، وإذا رجعت إلى معصيته، وأعطيت نفسى مرادها، جاءنى الرزق والعون ونحو هذا.

فقلت لبعضهم: هذا امتحان منه، ليرى صدقك وصبرك، هل أنت صادق فى مجيئك إليه وإقبالك عليه، فتصبر على بلائه، فتكون لك العاقبة، أم أنت كاذب فترجع على عقبك؟.

وهذه الأقوال والظنون الكاذبة الحائدة عن الصواب مبنية على مقدمتين.

إحداهما: حسن ظن العبد بنفسه وبدينه، واعتقاده أنه قائم بما يجب عليه، وتارك ما نهى عنه، واعتقاده فى خصمه وعدوه خلاف ذلك، وأنه تارك للمأمور، مرتكب للمحظور، وأنه نفسه أولى بالله ورسوله ودينه منه.

والمقدمة الثانية: اعتقاده أن الله سبحانه وتعالى قد لا يؤيد صاحب الدين الحق وينصره، وقد لا يجعل له العاقبة فى الدنيا بوجه من الوجوه، بل يعيش عمره مظلوما مقهورا مستضاما، مع قيامه بما أمر به ظاهرا وباطنا، وانتهائه عما نهى عنه باطنا وظاهرا، فهو عند نفسه قائم بشرائع الإسلام، وحقائق الإيمان، وهو تحت قهر أهل الظلم، والفجور والعدوان.

فلا إله إلا الله، كم فسد بهذا الاغترار من عابد جاهل، ومتدين لا بصيرة له، ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>