الظاهرة تسرى إلى الباطن، ولذلك حرم لبس الحرير والذهب على الذكور لما يكتسب القلب من الهيئة التى تكون لمن ذلك لبسه من النساء وأهل الفخر والخيلاء.
والمقصود: أن طهارة الثوب وكونه من مكسب طيب هو من تمام طهارة القلب وكمالها، فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها، فالمقصود لنفسه أولى أن يكون مأموراً به وإن كان المأمور به طهارة القلب وتزكية النفس، فلا يتم إلا بذلك، فتبين دلالة القرآن على هذا وهذا.
مما يدل على أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفا للحق عن مواضعه، فإنه إذا قبل الباطل أحبه ورضيه، فإذا جاء الحق بخلافه رده وكذبه إن قدر على ذلك، وإلا حرفه، كما تصنع الجهمية بآيات الصفات وأحاديثها، يردون هذه بالتأويل الذى هو تكذيب بحقائقها، وهذه بكونها أخبار آحاد لا يجوز الاعتماد عليها فى باب معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته. فهؤلاء وإخوانهم من الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، فإنها لو طهرت لما أعرضت عن الحق، وتعوضت بالباطل عن كلام الله تعالى ورسوله، كما أن المنحرفين من أهل الإرادة لما لم تطهر قلوبهم تعوّضوا بالسماع الشيطانى عن السماع القرآنى الإيمانى. قال عثمان بن عفان رضى الله عنه:"لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله".
فالقلب الطاهر، لكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث، لا يشبع من القرآن، ولا يتغذى إلا بحقائقه، ولا يتداوى إلا بأدويته، بخلاف القلب الذى لم يطهره الله تعالى، فإنه يتغذى من الأغذية التى تناسبه، بحسب ما فيه من النجاسة. فإن القلب النجس كالبدن العليل المريض، لا تلائمه الأغذية التى تلائم الصحيح.
ودلت الآية على أن طهارة القلب موقوفة على إرادة الله تعالى، وأنه سبحانه لما لم يرد أن يطهر قلوب القائلين بالباطل، المحرفين للحق، لم يحصل لها الطهارة.