للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن صرفهم بين غَلَبهم تارة، وكونهم مغلوبين تارة، فإذا غُلِبوا تضرعوا إلى ربهم، وأنابوا إليه، وخضعوا له، وانكسروا له وتابوا إليه، وإذا غلبوا أقاموا دينه وشعائره، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا عدوه، ونصروا أو لياءه.

ومنها: أنهم لو كانوا دائما منصورين، غالبين قاهرين، لدخل معهم من ليس قصده الدين، ومتابعة الرسول. فإنه إنما ينضاف إلى من له الغلبة والعزة، ولو كانوا مقهورين مغلوبين دائما لم يدخل معهم أحد. فاقتضت الحكمة الإلهية أن كانت لهم الدولة تارة وعليهم تارة. فيتميز بذلك بين من يريد الله ورسوله، ومن ليس له مراد إلا الدنيا والجاه.

ومنها: أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفى حال العافية والبلاء، وفى حال إدالتهم والإدالة عليهم. فلله سبحانه على العباد فى كلتا الحالين عبودية بمقتضى تلك الحال لا تحصل إلا بها، ولا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد، والجوع والعطش والنصب، وأضدادها. فتلك المحن والبلايا شرط فى حصول الكمال الإنسانى والاستقامة المطلوبة منه، ووجود الملزوم بدون لازمة ممتنع.

ومنها: أن امتحانهم بإدالة عدوهم عليهم يمحصهم، ويخلصهم، ويهذبهم كما قال تعالى فى حكمة إدالة الكفار على المؤمنين يوم أحد:

{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسسَكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ ندَاوِلهُاَ بَيْنَ النَّاسِ وَلِيعَلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمينَ وَلِيمُحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَق الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّونَ المَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرونَ وَمَا مُحمَّد إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ منْ قَبْلِهِ الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللهُ الشّاكِرِينَ} [آل عمران: ١٣٩ - ١٤٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>