فذكر سبحانه أنواعا من الحكم التى لأجلها أديل عليهم الكفار، بعد أن ثبتهم وقواهم وبشرهم بأنهم الأعلون بما أعطوه من الإيمان، وسلاهم بأنهم وإن مسهم القرح فى طاعته وطاعة رسوله فقد مس أعداءهم القرح فى عداوته وعداوة رسوله.
ثم أخبرهم أنه سبحانه بحكمته يجعل الأيام دولا بين الناس، فيصيب كلا منهم نصيبه منها، كالأرزاق والآجال.
ثم أخبرهم أنه فعل ذلك ليعلم المؤمنين منهم، وهو سبحانه بكل شيء عليم قبل كونه وبعد كونه، ولكنه أراد أن يعلمهم موجودين مشاهدين، فيعلم إيمانهم واقعا.
ثم أخبر أنه يحب أن يتخذ منهم شهداء، فإن الشهادة درجة عالية عنده، ومنزلة رفيعة لا تنال إلا بالقتل فى سبيله، فلولا إدالة العدو لم تحصل درجة الشهادة التى هى من أحب الأشياء إليه، وأنفعها للعبد.
ثم أخبر سبحانه أنه يريد تمحيص المؤمنين: أى تخليصهم من ذنوبهم بالتوبة والرجوع إليه واستغفاره من الذنوب التى أديل بها عليهم العدو، وأنه مع ذلك يريد أن يمحق الكافرين ببغيهم وطغيانهم، وعدوانهم إذا انتصروا.
ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم دخول الجنة بغير جهاد ولا صبر. وأن حكمته تأبى ذلك فلا يدخلونها إلا بالجهاد والصبر، ولو كانوا دائما منصورين غالبين لما جاهدهم أحد ولما ابتلوا بما يصبرون عليه من أذى أعدائهم فهذا بعض حِكَمِه فى نصر عدوهم عليهم، وإدالته فى بعض الأحيان.
الأصل التاسع: أنه سبحانه وتعالى إنما خلق السماوات والأرض وخلق الموت والحياة وزين الأرض بما عليها لابتلاء عباده، وامتحانهم، ليعلم من يريده ويريد ما عنده ممن يريد الدنيا وزينتها.
قال تعالى:{وَهُوَ الّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ فى سِتّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَ المَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاَ}[هود: ٧] .