وجد من هذه الحلاوة فى قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يعرف إلا بالذوق والوجد، ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبا لغيره، ولا أنسابه، وكلما ازداد له حبا ازداد له عبودية وذلا، وخضوعا ورقا له، وحرية عن رق غيره.
فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يلتذ ولا يطمئن ولا يسكن، إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له جميع ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن إليها، ولم يسكن إليها، بل لا تزيده إلا فاقة وقلقا، حتى يظفر بما خلق له، وهيئ له: من كون الله وحده نهاية مراده، وغاية مطالبه. فإن فيه فقرا ذاتيا إلى ربه وإلهه، من حيث هو معبوده ومحبوبه وإلهه ومطلوبه، كما أن فيه فقرا ذاتيا إليه من حيث هو ربه وخالقه ورازقه ومدبره. وكلما تمكنت محبة الله من القلب وقويت فيه أخرجت منه تألهه لما سواه وعبودبته له.
وما من مؤمن إلا وفى قلبه محبة لله تعالى. وطمأنينة بذكره، وتنعم بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوق إلى لقائه، وأنس بقربه، وإن لم يحسن به، لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به، فوجود الشيء غير الإحساس والشعور به.
وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه: هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه.
ومتى لم يكن الله وحده غاية مراد العبد ونهاية مقصوده، وهو المحبوب المراد له بالذات والقصد الأول، وكل ما سواه فإنما يحبه ويريده ويطلبه تبعا لأجله، لم يكن قد حقق شهادة أن لا إله إلا الله، وكان فيه من النقص والعيب والشرك بقدره، وله من موجبات ذلك من الألم والحسرة والعذاب بحسب ما فاته من ذلك.
ولو سعى فى هذا المطلوب بكل طريق، واستفتح من كل باب، ولم يكن مستعينا بالله، متوكلا عليه، مفتقرا إليه فى حصوله، متيقنا أنه إنما يحصل بتوفيقه ومشيئته، وإعانته، لا طريق له سوى ذلك بوجه من الوجوه، لم يحصل له مطلوبه. فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فلا يوصِّل إليه سواه، ولا يدل عليه سواه، ولا يعبد إلا بإعانته، ولا يطاع إلا بمشيئته.