الطريق، فهكذا شأن طريق الآخرة تمثيلا لها بالطريق المحسوس للمسافر. وحاجة المسافر إلى الله سبحانه: إلى أن يهديه تلك الطريق، أعظم من حاجة المسافر إلى بلد من يدله على الطريق الموصل إليها. وكذلك السداد، وهو إصابة القصد قولا وعملا، فمثله مثل رامى السهم، إذا وقع سهمه فى نفس الشىء الذى رماه، فقد سدد سهمه وأصاب ولم يقع باطلا، فهكذا المصيب للحق فى قوله وعمله بمنزلة المصيب فى رميه. وكثيرا ما يقرن فى القرآن هذا وهذا. فمنه قوله تعالى:
{وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] .
أمر الحاج بأن يتزودوا لسفرهم، ولا يسافروا بغير زاد، ثم نبههم على زاد سفر الآخرة، وهو التقوى. فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلغه إياه، فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلا بزاد من التقوى، فجمع بين الزادين، ومنه قوله تعالى:
{يَا بَنِى آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْءاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: ٢٦] .
فجمع بين الزينتين: زينة البدن باللباس، وزينة القلب بالتقوى، زينة الظاهر والباطن، وكمال الظاهر والباطن، ومنه قوله تعالى:
{فَمنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلا يضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: ١٢٣] .
فنفى عنه الضلال، الذى هو عذاب القلب والروح، والشقاء الذى هو عذاب البدن والروح أيضا، فهو منعم القلب والبدن بالهدى والفلاح، ومنه قول امرأة العزيز عن يوسف عليه السلام لما أرته النسوة اللائمات لها فى حبه:
{فَذلِكُنَّ الَّذِى لمُتُنَّنِى فِيه} [يوسف: ٣٢] فأرتهن جماله الظاهر. ثم قالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: ٣٢] .
فأخبرت عن جماله الباطن بعفته، فأخبرتهن بجمال باطنه، وأرتهن جمال ظاهره. فنبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بقوله: "اللهُمَّ طَهِّرْنى مِنْ خطَايَاىَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ".
على شدة حاجة البدن والقلب إلى ما يطهرهما ويبردهما ويقويهما، وتضمن دعاؤه سؤال هذا وهذا، والله تعالى أعلم.
وقريب من هذا: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "كان إِذَا خَرَجَ مِنَ الخلاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ".
وفى هذا من السر والله أعلم، أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه، والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه، فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب، فحمد الله عند خروجه