للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هى روحانيات الأجرام العلوية. وكثير منهم لا يسأل عما عهد بل إذا سمع الخطاب من الصنم اتخذه إلها، ولا يسأل عما وراء ذلك.

وبالجملة فأكثر أهل الأرض مفتونون بعبادة الأصنام والأوثان، ولم يتخلص منها إلا الحنفاء، أتباع ملة إبراهيم عليه السلام، وعبادتها فى الأرض من قبل نوح عليه السلام كما تقدم، وهياكلها ووقوفها وسدنتها وحجابها. والكتب المصنفة فى شرائع عبادتها طبق ذلك كله الأرض.

قال إمام الحنفاء: {وَاجْنُبْنِى وَبَنِى أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُن أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم: ٣٥ - ٣٦] .

والأمم التى أهلكها الله بأنواع الهلاك كلهم كانوا يعبدون الأصنام، كما قص الله تعالى ذلك عنهم فى القرآن، وأنجى الرسل وأتباعهم من الموحدين.

ويكفى فى معرفة كثرتهم، وأنهم أكثر أهل الأرض: ما صح عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:

"أَن بَعْثَ النَّارِ مِنْ كلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وتسعة وتَسْعُونَ" وقد قال تعالى: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورَا} [الإسراء: ٨٩] وقال: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فى الأَرْضِ يِضُلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} [الأنعام: ١١٦] وقال: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: ١٠٣] وقال: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: ١٠٢] .

ولو لم تكن الفتنة بعبادة الأصنام عظيمة لما أقدم عبادها على بذل نفوسهم وأموالهم وأبنائهم دونها، فهم يشاهدون مصارع إخوانهم وما حل بهم، ولا يزيدهم ذلك إلا حبا لها وتعظيما، ويوصى بعضهم بعضا بالصبر عليها، وتحمل أنواع المكاره فى نصرتها وعبادتها، وهم يسمعون أخبار الأمم التى فتنت بعبادتها، وما حل بهم من عاجل العقوبات، ولا يثنيهم ذلك عن عبادتها.

ففتنة عبادة الأصنام أشد من فتنة عشق الصور، وفتنة الفجور بها. والعاشق لا يثنيه

<<  <  ج: ص:  >  >>