للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعروف فى طوائف أهل الشرك، غلوا فيمن يعظمونه، ويحبونه، حتى شبهوه بالخالق، وأعطوه خصائص الإلهية، بل صرحوا أنه إله، وأنكروا جعل الآلهة إلها واحدا وقالوا:

{اصْبِرُوا عَلَى آلَهِتِكُمْ} [ص: ٦] .

وصرحوا بأنه إله معبود، يرجى ويخاف، ويعظم ويسجد له، ويحلف باسمه، وتقرب له القرابين، إلى غير ذلك من خصائص العبادة، التى لا تنبغى إلا لله تعالى.

فكل مشرك فهو مشبه لإلهه ومعبوده بالله سبحانه، وإن لم يشبهه به من كل وجه، حتى إن الذين كفروا وصفوه سبحانه بالنقائص والعيوب كقولهم:

{إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ} [آل عمران: ١٨١] وإن {يَدُ اللهِ مَغْلُولَة} [المائدة: ٦٤] .

وإنه استراح لما فرغ من خلق العالم. والذين جعلوا له ولدا وصاحبة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - لم يكن قصدهم أن يجعلوا المخلوق أصلا، ثم يشبهون به الخالق، بل وصفوه بهذه الأشياء استقلالا، لا قصدا أن يكون غيره أصلا فيها، وهو مشبه به.

ولهذا كان وصفه سبحانه بهذه الأمور من إبطال الباطل، لكونها فى نفسها نقائص وعيوبا، ليس جهة البطلان فى اتصافه بها: هو التشبيه والتمثيل، فلا يتوقف فى نفيها عنه على ثبوت انتفاء التشبيه، كما يفعله بعض أهل الكلام الباطل، حيث صرحوا بأنه لا يقوم دليل عقلى على انتفاء النقائص والعيوب عنه، وإنما تنفى عنه لاستلزامها التشبيه والتمثيل.

وهؤلاء إذا قال لهم الواصفون لله سبحانه بهذه الصفات: نحن نثبتها له على وجه لا يماثل فيها خلقه، بل نثبت له فقرا وصاحبة وإيلادا يماثل فيه خلقه، كما تثبتون أنتم له علما وقدرة، وحياة وسمعا، وبصرا، لا يماثل فيها خلقه. فقولنا فى هذا كقولكم فيما أثبتموه سواء - لم يتمكنوا من إبطال قولهم، ويصيرون أكفاء لهم فى المناظرة، فإنهم قد أعطوهم أنه لا يقوم دليل عقلى على انتفاء النقائص والعيوب، وإنما ننفى ما نفى عنه لأجل التشبيه والتمثيل، وقد أثبتوا له صفات على وجه لا يستلزم التشبيه، فقال أولئك: وهكذا نقول نحن.

ولما عرف بعضهم أن هذا لازم له لا محالة استروح إلى دليل الإجماع، وقال: إنما نفينا النقائص والعيوب عنه بالإجماع، وعندهم أن الإجماع أدلته ظنية، لا تفيد اليقين، فليس عند

<<  <  ج: ص:  >  >>