للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عباس: يريد عدلوا بى من خلقى الحجارة والأصنام، بعد أن أقروا بنعمتى وربوبيتى.

وقال الزجاج: أعلم الله سبحانه أنه خالق ما ذكر فى هذه الآية. وأن خالقها لا شيء مثله، وأعلم أن الكفار يجعلون له عديلا. والعدل التسوية، يقال: عدل الشيء بالشيء إذا سواه به، ومعنى يعدلون به: يشركون به غيره.

قال مجاهد قال الأحمر: يقال: عدل الكافر بربه عدلا، وعدولا: إذا سوى به غيره فعبده.

وقال الكسائى: عدلت الشيء بالشيء أعدله عدولا إذا ساويته به.

ومثله قوله تعالى عن هؤلاء المشبهين إنهم يقولون فى النار لآلهتهم: {تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِى ضَلاَلٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٩٧- ٩٨] .

فاعترفوا أنهم كانوا فى أعظم الضلال وأبينه، إذ جعلوا لله شبها وعدلا من خلقه سووهم به فى العبادة والتعظيم.

وقال تعالى: {رَبِّ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِر لِعِبَادَتِهِ، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياً} [مريم: ٦٥] .

قال ابن عباس: "شبها ومثلا، وهو من يساميه".

وذلك نفى عن المخلوق أن يكون مشابها للخالق، ومماثلا له، بحيث يستحق العبادة والتعظيم، ولم يقل سبحانه: هل تعلمه سميا، أو مشبها لغيره، فإن هذا لم يقله أحد. بل المشركون المشبهون جعلوا بعض المخلوقات مشابها له، مساميا، وندا وعدلا، فأنكر عليهم هذا التشبيه والتمثيل.

وكذلك قوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ فَلا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ} [النحل: ٧٣ - ٧٤] .

فنهاهم أن يضربوا له مثلا من خلقه، ولم ينههم أن يضربوه هو مثلا لخلقه فإن هذا لم يقله أحد، ولم يكونوا يفعلونه. فإن الله سبحانه أجل وأعظم وأكبر من كل شيء فى فطر الناس كلهم. ولكن المشبهون المشركون يغلون فيمن يعظمونه. فيشبهونهم بالخالق، والله تعالى أجل فى صدور جميع الخلق من أن يجعلوا غيره أصلا ثم يشبهونه سبحانه بغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>