للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالذى يشبهه بغيره، إن قصد تعظيمه، لم يكن فى هذا تعظيم، لأنه مثل أعظم العظماء بما هو دونه، بل بما ليس بينه نسبة وشبه فى العظمة والجلالة، وعاقل لا يفعل هذا.

وإن قصد التنقيص شبهه بالناقصين المذمومين، لا بالكاملين الممدوحين.

ومن هنا يعلم أن إثبات صفات الكمال له لا يتضمن التشبيه والتمثيل، لا بالكاملين ولا بالناقصين وأن نفى تلك الصفات يستلزم تشبيهه بأنقص الناقصين.

فانظر إلى الجهمية وأتباعهم، جاءوا إلى التشبيه المذموم فأعرضوا عنه صفحا، وجاءوا إلى الكمال والمدح فجعلوه تشبيها وتمثيلا، عكس ما يثبته القرآن، وجاء به من كل وجه.

ومن هذا قوله تعالى: {وَلمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواَ أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤] .

هو سلب عن المخلوق مكافأته ومماثلته للخالق سبحانه، ولم يقل: ولم يكن هو كفوا لأحد، فينفى عن نفسه مشابهته للمخلوق ومكافأته له، إذ كان ذلك أبين وأظهر من أن يحتاج إلى نفيه.

وسر ذلك: أن المقصود أن المخلوق لا يماثله سبحانه فى شيء من صفاته وخصائصه. وأما كونه سبحانه هو لا يماثل المخلوق لا يماثل المخلوق، ولا يشابهه، ولا هو ندّ له ولا كفؤ، فليس فيه مدح له.

فإنه لو مدح بعض الملوك أو غيرهم بأنه لا يشبه الحيوانات، ولا الحجارة، ولا الخشب، ونحو ذلك، لم يعد هذا مدحا، ولا ثناء عليه، ولا كمالا له بخلاف ما إذا قيل: لا تجعل للملك ندا ولا كفؤا، ولا شبيها من رعيته، تعظمه كتعظيمه، وتطيعه كطاعته، فإنه ليس فى رعيته من يساميه. ولا يماثله، ولا يكافئه: كان هذا غاية المدح.

وكذلك قول سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} [الشورى: ١١] .

إنما قصد به نفى أن يكون معه شريك، أو معبود يستحق العبادة والتعظيم، كما يفعله المشبهون والمشركون. ولم يقصد به نفى صفات كماله، وعلوه على خلقه، وتكلمه بكتبه، وتكليمه لرسله،

<<  <  ج: ص:  >  >>