للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضلا أن يخالط ويلابس لقذارته، ونفرة الطباع السليمة عنه. وكلما كان الحى أكمل حياة وأصح حياء كان إبعاده لذلك أعظم ونفرته منه أقوى.

فالأعيان النجسة إما أن تؤذى البدن أو القلب، أو تؤذيهما معا. والنجَس قد يؤذى برائحته، وقد يؤذى بملابسته، وإن لم تكن له رائحة كريهة.

والمقصود: أن النجاسة تارة تكون محسوسة ظاهرة، وتارة تكون معنوية باطنة فيغلب على الروح والقلب الخبث والنجاسة، حتى إن صاحب القلب الحى ليشم من تلك الروح والقلب رائحة خبيثة يتأذى بها، كما يتأذى من يشم رائحة النَّتْن، ويظهر ذلك كثيرا فى عرقه، حتى ليوجد لرائحة عرقه نتنا. فإن نَتْن الروح والقلب يتصل بباطن البدن أكثر من ظاهره. والعرق يفيض من الباطن، ولهذا كان الرجل الصالح طيب العرق. وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أطيب الناس عرقا. قالت أم سليم، وقد سألها رسول الله عليه الصلاة والسلام عنه وهى تلتقطه "هو من أطيب الطيب" فالنفس النجسة الخبيثة يقوى خبثها ونجاستها حتى يبدو على الجسد. والنفس الطيبة بضدها، فإذا تجردت وخرجت من البدن وجد لهذه كأطيب نفحة مسك وُجدت على وجه الأرض، ولتلك كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض.

والمقصود: أن الشرك لما كان أظلم الظلم، وأقبح القبائح، وأنكر المنكرات، كان أبغض الأشياء إلى الله تعالى وأكرهها له، وأشدها مقتا لديه. ورتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه، وأخبر أنه لا يغفره، وأن أهله نجس، ومنعهم من قربان حرمه، وحرم ذبائحهم ومناكحتهم، وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين، وجعلهم أعداء له سبحانه ولملائكته ورسله وللمؤمنين، وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم، وأن يتخذوهم عبيدا، وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية، وتنقيص لعظمة الإلهية، وسوء ظن

<<  <  ج: ص:  >  >>