وعلى هذا المذهب كان جماعة من أعيان الدولة ببغداد، منهم هلال بن المحسن الصابئ، صاحب الديوان الإنشائى، وصاحب الرسائل المشهورة. وكان يصوم مع المسلمين، ويعيد معهم، ويزكى ويحرم المحرمات. وكان الناس يعجبون من موافقته للمسلمين، وليس على دينهم.
وأصل دين هؤلاء - فيما زعموا - أنهم يأخذون بمحاسن ديانات العالم ومذاهبهم، ويخرجون من قبيح ما هم عليه قولا وعملا، ولهذا سموا صابئة، أى خارجين. فقد خرجوا عن تقيدهم بجملة كل دين وتفصيله، إلا ما رأوه فيه من الحق.
وكانت كفار قريش تسمى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الصابئ، وأصحابه الصبأة، يقال: صبأ الرجل، بالهمز، إذا خرج من شيء إلى شيء. وصبا يصبو إذا مال، ومنه قوله:
أى أمل. والمهموز والمعتل يشتركان. فالمهوز: ميل عن الشيء. والمعتل: ميل إليه، واسم الفاعل من المهموز: صابئ، بوزن قارئ، ومن المعتل: صاب، بوزن قاض وجمع الأول: صابئون، كقارئون، وجمع الثانى: صابون كقاضون، وقد قرئ بهما.
والمقصود: أن هذه الأمة قد شاركت جميع الأمم وفارقتهم، فالحنفاء منهم شاركوا أهل الإسلام فى الحنيفية. والمشركون منهم شاركوا عباد الأصنام، ورأوا أنهم على صواب.
وأكثر هذه الأمة فلاسفة. والفلاسفة يأخذون من كل دين - بزعمهم - محاسن ما دلت عليه العقول. وعقلاؤهم يوجبون اتباع الأنبياء وشرائعهم. وبعضهم لا يوجب ذلك ولا يحرمه. وسفهاؤهم وسفلتهم يمنعون ذلك. كما سيأتى ذكر تلاعب الشيطان بهم بعد هذا.