ولهذا لم يكن هؤلاء الفلاسفة ولا الصابئة من الأمم المستقلة التى لها كتاب ونبى، وإن كانوا من أهل دعوة الرسل.
فما من أمة إلا وقد أقام الله سبحانه عليها حجته وقطع عنها حجتها.
{لئَلاّ يكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّة بَعْدَ الرَّسُلِ}[النساء: ١٦٥] .
وتكون حجته عليهم.
والمقصود: أن الصابئة فرق. صابئة حنفاء، وصابئة مشركون، وصابئة فلاسفة، وصابئة يأخذون بمحاسن ما عليه أهل الملل والنحل من غير تقيد بملة ولا نحلة.
ثم منهم من يقر بالنبوات جملة ويتوقف فى التفصيل، ومنهم من يقر بها جملة وتفضيلا ومنهم من ينكرها جملة وتفصيلا.
وهم يقرون أن للعالم صانعا فاطرا حكيما، مقدسا عن العيوب والنقائص.
ثم قال المشركون منهم: لا سبيل لنا إلى الوصول إلى جلاله إلا بالوسائط. فالواجب علينا أن نتقرب إليه بتوسطات الروحانيات القريبة منه. وهم الروحانيون المقربون المقدسون عن المواد الجسمانية، وعن القوى الجسدانية، بل قد جبلوا على الطهارة، فنحن نتقرب إليهم، ونتقرب بهم إليه، فهم أربابنا وآلهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب وإله الآلهة. فما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. فالواجب علينا أن نطهر نفوسنا عن الشهوات الطبيعية، ونهذب أخلاقنا عن علائق القوى، الغضبية حتى تحصل المناسبة بيننا وبين الروحانيات، وتتصل أرواحنا بهم، فحينئذ نسأل حاجتنا منهم، ونعرض أحوالنا عليهم، ونصبوا فى جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى إلهنا وإلههم.
وهذا التطهير والتهذيب لا يحصل إلا باستمداد من جهة الروحانيات. وذلك بالتضرع والابتهال بالدعوات: من الصلوات. والزكوات، وذبح القرابين، والبخورات، والعزائم، فحينئذ يحصل لنفوسنا استعداد واستمداد من غير واسطة الرسل، بل نأخذ من المعدن الذى أخذت منه الرسل. فيكون حكمنا وحكمهم واحدا: ونحن وإياهم بمنزلة واحدة.
قالوا: والأنبياء أمثالنا فى النوع وشركاؤنا فى المادة، وأشكالنا فى الصورة، يأكلون