مما نأكل ويشربون مما نشرب، وما هم إلا بشر مثلنا يريدون أن يتفضلوا علينا.
وزادت الاتحادية أتباع ابن عربى، وابن سبعين والعفيف التلمسانى، وأضرابهم على هؤلاء بما قاله شيخ الطائفة محمد بن عربى: أن الولى أعلى درجة من الرسول، لأنه يأخذ من المعدن الذى يأخذ منه الملك الذى يوحى إلى الرسول فهو أعلى منه بدرجتين.
فجعل هؤلاء الملاحدة أنفسهم وشيوخهم أعلى فى التلقى من الرسل بدرجتين، وإخوانهم من المشركين جعلوا أنفسهم فى ذلك التلقى بمنزلة الأنبياء، ولم يدّعوا أنهم فوقهم.
والمقصود: أن هؤلاء كفروا بالأصلين اللذين جاءت بهما جميع الرسل والأنبياء، من أولهم إلى آخرهم.
أحدهما: عبادة الله وحده لا شريك له. والكفر بما يعبد من دونه من إله.
والثانى: الإيمان برسله، وما جاءوا به من عند الله، تصديقا وإقراراً، وانقيادا، وامتثالا.
وليس هذا مختصا بمشركى الصابئة، كما غلط فيه كثير من أرباب المقالات، بل هذا مذهب المشركين من سائر الأمم. لكن شرك الصابئة كان من جهة الكواكب والعلويات ولذلك ناظرهم إمام الحنفاء صلوات الله، وسلامه عليه فى بطلان إلهيتها بما حكاه الله سبحانه فى سورة الأنعام [٧٤ - ٨٣] أحسن مناظرة وأبينها، ظهرت فيها حجته ودحضت حجتهم. فقال بعد أن بين بطلان إلهية الكواكب، والقمر، والشمس بأفولها، وأن الإله لا يليق به أن يغيب ويأفل، بل لا يكون إلا شاهدا غير غائب، كما لا يكون إلا غالبا قاهرا، غير مغلوب ولا مقهور. نافعا لعبادة، يملك لعابده الضر والنفع، فيسمع كلامه، ويرى مكانه، ويهديه، ويرشده، ويدفع عنه كل ما يضره ويؤذيه. وذلك ليس إلا لله وحده. فكل معبود سواه باطل.
فلما رأى إمام الحنفاء أن الشمس والقمر والكواكب ليست بهذه المثابة صعد منها إلى فاطرها وخالقها ومبدعها فقال:
وفى ذلك إشارة إلى أنه سبحانه خالق أمكنتها ومحالها التى هى مفترة إليها، ولا قوام لها إلا بها، فهى محتاجة إلى محل تقوم به، وفاطر يخلقها ويدبرها ويربُّها. والمحتاج المخلوق المربوب المدَّبر لا يكون إلها. فحاجَّة قومه فى الله، ومن حاجّ فى عبادة الله فحجته داحضة. فقال