العالم وفوق السماوات بذاته كما حكاه عنهم أعلم الناس فى زمانه بمقالاتهم: أبو الوليد بن رشد فى كتابه "مناهج الأدلة".
فقال فيه:
"القول فى الجهة"
وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه، حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية، كأبى المعالى ومن اقتدى بقوله - إلى أن قال -: والشرائع كلها مبنية على أن الله فى السماء، وأن منه تنزل الملائكة بالوحى إلى النبيين، وأن من السماوات نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبى صلى الله عليه وسلم حتى قرب من سدرَة المنتهى. وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة فى السماء، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك.
ثم ذكر تقرير ذلك بالمعقول، وبين بطلان الشبهة التى لأجلها نفتها الجهمية ومن وافقهم، إلى أن قال:
فقد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل، وأنه الذى جاء به الشرع وانبنى عليه، وأن إبطال هذه القاعدة إبطال للشرائع.
فقد حكى لك هذا المطلع على مقالات القوم، الذى هو أعرف بالفلسفة من ابن سينا وأضرابه: إجماع الحكماء على أن الله سبحانه فى السماء، فوق العالم.
والمتطفلون فى حكايات مقالات الناس لا يحكون ذلك، إما جهلا، وإما عمدا، وأكثر من رأيناه يحكى مذاهبهم ومقالات الناس يتطفل.
وكذلك الأساطين منهم متفقون على إثبات الصفات والأفعال، وحدوث العالم، وقيام الأفعال الاختيارية بذاته سبحانه، كما ذكره فيلسوف الإسلام فى وقته أبو البركات البغدادى، وقرره غاية التقرير.
وقال: لا يستقيم كون الرب سبحانه رب العالمين إلا بذلك، وأن نفى هذه المسألة ينفى ربوبيته.
قال: والإجلال من هذا الإجلال، والتنزيه من هذا التنزيه أولى.