وأما الكتب، فليس لله عندهم كلام أنزله إلى الأرض بواسطة الملك، فإنه ما قال شيئا، ولا يقول، ولا يجوز عليه الكلام. ومن تقرب منهم إلى المسلمين يقول: الكتب المنزلة فيض فاض من العقل الفعال على النفس المستعدة الفاضلة الزكية، فتصورت تلك المعانى، وتشكلت فى نفسه بحيث توهمها أصواتا تخاطبه، وربما قوى الوهم حتى يراها أشكالا نورانية تخاطبه، وربما قوى ذلك حتى يخيلها لبعض الحاضرين فيرونها ويسمعون خطابها، ولا حقيقة لشيء من ذلك فى الخارج.
وأما الرسل والأنبياء. فللنبوة عندهم ثلاث خصائص، من استكملها فهو نبى:
أحدها: قوة الحدس، بحيث يدرك الحد الأوسط بسرعة.
الثانية: قوة التخيل والتخييل، بحيث يتخيل فى نفسه أشكالا نورانية تخاطبه، ويسمع الخطاب منها، ويخيلها إلى غيره.
الثالثة: قوة التأثير بالتصرف فى هيولى العالم. وهذا يكون عندهم بتجرد النفس عن العلائق، واتصالها بالمفارقات، من العقول والنفوس المجردة.
وهذه الخصائص تحصل بالاكتساب. ولهذا طلب النبوة من تصوف على مذهب هؤلاء كابن سبعين، وابن هود، وأضرابهما. والنبوة عند هؤلاء صنعة من الصنائع، بل من أشرف الصنائع، كالسياسة، بل هى سياسة العامة، وكثير منهم لا يرضى بها، ويقول: الفلسفة: نبوة الخاصة. والنبوة: فلسفة العامة.
وأما الإيمان باليوم الآخر. فهم لا يقرون بانفطار السماوات، وانتثار الكواكب، وقيامة الأبدان، ولا يقرون بأن الله خلق السماوات والأرض فى ستة أيام، وأوجد هذا العالم بعد عدمه.
فلا مبدأ عندهم، ولا معاد، ولا صانع، ولا نبوة، ولا كتب نزلت من السماء، تكلم الله بها، ولا ملائكة تنزلت بالوحى من الله تعالى.
فدين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خير وأهون من دين هؤلاء.
وحسبك جهلا بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، من يقول: إنه سبحانه لو علم الموجودات لحقه الكلال والتعب، واستكمل بغيره. وحسبك خذلانا وضلالا وعمى: السير خلف هؤلاء، وإحسان الظن بهم، وأنهم أولو العقول.