على الشام والحجاز واليمن والمغرب، وخطب لهم على منبر بغداد.
والمقصود أن هذا الداء لما دخل فى بنى إسرائيل كان سبب دمارهم وزوال مملكتهم، ثم بعث الله سبحانه عبده ورسوله وكلمته المسيح ابن مريم، فجدد لهم الدين وبين لهم معالمه، ودعاهم إلى عبادة الله وحده، والتبرى من تلك الأحداث، والآراء الباطلة، فعادوه وكذبوه، ورموه وأمه بالعظائم، وراموا قتله، فطهره الله تعالى منهم، ورفعة إليه، فلم يصلوا إليه بسوء. وأقام الله تعالى للمسيح أنصارا دعوا إلى دينه وشريعته، حتى ظهر دينه على من خالفه، ودخل فيه الملوك، وانتشرت دعوته، واستقام الأمر على السداد بعده نحو ثلاثمائة سنة.
ثم أخذ دين المسيح فى التبديل والتغيير، حتى تناسخ واضمحل، ولم يبق بأيدى النصارى منه شيء، بل ركبوا دينا بين دين المسيح ودين الفلاسفة عباد الأصنام وراموا بذلك أن يتلطفوا للأمم حتى يدخلوهم فى النصرانية، فنقلوهم من عبادة الأصنام المجسدة إلى عبادة الصور التى لا ظل لها، ونقلوهم من السجود للشمس إلى السجود إلى جهة المشرق، ونقلوهم من القول باتحاد العاقل والمعقول والعقل إلى القول باتحاد الأب والابن وروح القدس.
هذا ومعهم بقايا من دين المسيح، كالختان، والاغتسال من الجنابة، وتعظيم السبت وتحريم الخنزير، وتحريم ما حرمته التوراة، إلا ما أحل لهم بنصها.
ثم تناسخت الشريعة إلى أن استحلوا الخنزير، وأحلوا السبت، وعوضوا منه يوم الأحد وتركوا الختان، والاغتسال من الجنابة، وكان المسيح يصلى إلى بيت المقدس، فصلوا هم إلى المشرق، ولم يعظم المسيح عليه السلام صليبا قط، فعظموا هم الصليب وعبدوه، ولم يصم المسيح عليه السلام صومهم هذا أبدا، ولا شرعه، ولا أمر به البتة بل هم وضعوه على هذا العدد، ونقلوه إلى زمن الربيع، فجعلوا ما زادوا فيه من العدد عوضا عن نقله من الشهور الهلالية إلى الشهور الرومية، وتعبدوا بالنجاسات، وكان المسيح عليه السلام فى غاية الطهارة والطيب والنظافة، وأبعد الخلق عن النجاسة، فقصدوا بذلك تغيير دين اليهود، ومراغمتهم، فغيروا دين المسيح، وتقربوا إلى الفلاسفة وعباد الأصنام، بأن وافقوهم فى بعض الأمر ليرضوهم به، وليستنصروا بذلك على اليهود.
ولما أخذ دين المسيح عليه السلام فى التغيير والفساد اجتمعت النصارى عدة مجامع تزيد