للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنهم قصدوا مضادة العقل، وناصبوه العداوة. وحلوا ببيت الاستحالات، وحادوا عن المسلك الذى انتهجه غيرهم من أهل الشرائع، فشذوا عن جميع مناهج العالم الصالحة العقلية والشرعية، واعتقدوا كل مستحيل ممكنا، وبنوا على ذلك شريعة لا تؤدى البتة إلى صلاح نوع من أنواع العالم، إنها تصير العاقل إذا تشرع بها أخرق، والرشيد سفيها، والمحسن مسيئا. لأن من كان أصل عقيدته التى جرى نشوءه عليها: لإساءة إلى الخالق، والنيل منه، ووصفه بضد صفاته الحسنى، فأخلق به أن يستسهل الإساءة إلى المخلوق، مع ما بلغنا عنهم من الجهل، وضعف العقل، وقلة الحياء، وخساسة الهمة.

فهذا وقد ظهر له من باطلهم وضلالهم غيض من فيض، وكانوا إذ ذاك أقرب عهدا بالنبوة.

وقال أفلاطون رئيس سدنة الهياكل بمصر، وليس بأفلاطون تلميذ سقراط، إذ ذاك أقدم من هذا: "لما ظهر محمد بتهامة، ورأينا أمره يعلو على الأمم المجاورة له، رأينا أن نقصد اصطمر البابلى لنعلم ما عنده، ونأخذ برأيه. فلما اجتمعنا على الخروج من مصر، رأينا أن نصبر إلى قراطيس معلمنا وحكيمنا لنودعه. فلما دخلنا عليه، ورأى جمعنا أيقن أن الهياكل قد خلت منا، فغشى عليه حينا غشية ظننا أنه فارق الحياة فيها، فبكينا فأومأ إلينا أن كفوا عن البكاء، فتصبرنا جهدنا هدأ وفتح عينيه، وقال: هذا ما كنت أنهاكم عنه، وأحذركم منه، إنكم قوم غيرتم فغير بكم. أطعتم جهالا من ملوككم، فخلطوا عليكم فى الأدعية فقصدتم البشر من التعظيم بما هو للخالق وحده، فكنتم فى ذلك كمن أعطى القلم مدحة الكاتب. وإنما حركة القلم بالكاتب".

ومن المعلوم أن هذه الأمة ارتكبت محذورين عظيمين، لا يرضى بهما ذو عقل ولا معرفة.

أحدهما: الغلو فى المخلوق، حتى جعلوه شريك الخالق وجزءاً منه، وإلها آخر معه، وأنفوا أن يكون عبدا له.

والثانى: تنقص الخالق وسبه، ورميه بالعظائم، حيث زعموا أنه - سبحانه وتعالى عن قولهم علوا كبيرا - نزل من العرش عن كرسى عظمته، ودخل فى فرج امرأة، وأقام هناك تسعة أشهر يتخبط بين البول والدم والنجو، وقد علته أطباق المشيمة والرحم والبطن، ثم خرج من حيث دخل، رضيعا صغيرا يمص الثدى، ولف فى القمط، وأودع السرير، يبكى ويجوع، ويعطش،

<<  <  ج: ص:  >  >>