ومن حيلهم أيضاً: أنه قد كان بأرض الروم فى زمن المتوكل كنيسة، إذا كان يوم عيدها يحج الناس إليها، ويجتمعون عند صنم فيها، فيشاهدون ثدى ذلك الصنم فى ذلك اليوم يخرج منه اللبن. وكان يجتمع للسادن فى ذلك اليوم مال عظيم. فبحث الملك عنها. فانكشف له أمرها فوجد القيم قد ثقب من وراء الحائط ثقبا إلى ثدى الصنم، وجعل فيها أنبوبة من رصاص، وأصلحها بالجبس ليخفى أمرها، فإذا كان يوم العيد فتحها وصب فيها اللبن، فيجرى إلى الثدى فيقطر منه، فيعتقد الجهال أن هذا سر فى الصنم، وأنه علامة من الله تعالى لقبول قربانهم، وتعظيمهم له. فلما انكشف له ذلك أمر بضرب عنق السادن، ومحو الصور من الكنائس. وقال: إن هذه الصور مقام الأصنام. فمن سجد للصورة فهو كمن سجد للأصنام.
ولقد كان من الواجب على ملوك الإسلام أن يمنعوا هؤلاء من هذا وأمثاله، لما فيه من الإعانة على الكفر، وتعظيم شعائره. فالمساعد على ذلك، والمعين عليه شريك للفاعل. لكن لما هان عليهم دين الإسلام، وكان السحت الذى يأخذونه منهم أحب إليهم من الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام أقروهم على ذلك ومكنوهم منه.
فصل
والمقصود: أن دين الأمة الصليبية، بعد أن بعث الله عز وجل محمداً صلى الله تعالى عليه وسلم، بل قبله بنحو ثلاثمائة سنة، مبنى على معاندة العقول والشرائع، وتنقص إله العالمين ورميه بالعظائم، فكل نصرانى لا يأخذ بحظه من هذه فليس بنصرانى على الحقيقة.
أفليس هو الدين الذى أسسه أصحاب المجامع المتلاعنين على أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد؟.
فيا عجبا، كيف رضى العاقل أن يكون هذا مبلغ عقله، ومنتهى علمه؟.
أترى لم يكن فى هذه الأمة من يرجع إلى عقله وفطرته، ويعلم أن هذا عين المحال، وإن ضربوا له الأمثال، واستخرجوا له الأشباه. فلا يذكرون مثالاً. ولا شبها إلا وفيه بيان خطئهم وضلالهم.