للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ثم إنك إذا كشفت عن حالهم وجدت أئمة دينهم ورهبانهم قد نصبوا حبائل الحيل ليقتنصوا بها عقول العوام، ويتوصلوا بالتمويه والتلبيس إلى استمالتهم وانقيادهم لهم، واستدرار أموالهم. وذلك أشهر وأكثر من أن يذكر.

فمن ذلك: ما يعتمدونه فى العيد الذى يسمونه عيد النور، ومحله بيت المقدس فيجتمعون من سائر النواحى فى ذلك اليوم، ويأتون إلى بيت فيه قنديل معلق لا نار فيه فيتلو أحبارهم الإنجيل، ويرفعون أصواتهم ويبتهلون فى الدعاء، فبينا هم كذلك وإذا نار قد نزلت من سقف البيت فتقع على ذبالة القنديل فيشرق ويضيء ويشتعل، فيضجون ضجة واحدة، ويصلبون على وجوههم، ويأخذون فى البكاء والشهيق.

قال أبو بكر الطرطوشى: كنت ببيت المقدس، وكان واليها إذ ذاك رجلا يقال له سقمان. فلما نما خبر هذا العيد إليه أنفذ إلى بتاركتهم، وقال: أنا نازل إليكم فى يوم هذا العيد لأكشف عن حقيقة ما تقولون، فإن كان حقا ولم يتضح لى وجه الحيلة فيه أقررتكم عليه وعظمته معكم بعلم. وإن كان مخرقة على عوامكم أوقعت بكم ما تكرهونه. فصعب ذلك عليهم جداً، وسألوه أن لا يفعل فأبى ولج، فحملوا له مالا عظيما فأخذه وأعرض عنهم.

قال الطرطوشى: ثم اجتمعت بأبى محمد بن الأقدم بالإسكندرية. فحدثنى أنهم يأخذون خيطا دقيقا من نحاس وهو الشريط، ويجعلونه فى وسط قبة البيت إلى رأس الفتيلة التى فى القنديل، ويدهنونه بدهن اللبان. والبيت مظلم، بحيث لا يدرك الناظرون الخيط النحاس، وقد عظموا ذلك البيت، فلا يمكنون كل أحد من دخوله. وفى رأس القبة رجل، فإذا قدسوا ودعوا ألقى على ذلك الخيط شيئا من نار النفط، فتجرى النار مع دهن اللبان إلى آخر الخيط النحاس، فتلقى فيتعلق بها.

فلو نصح أحد منهم نفسه وفتش على نجاته لتتبع هذا القدر، وطلب الخيط النحاس وفتش رأس القبة ليرى الرجل والنفط، ويرى أن منبع ذلك النور من ذلك الممخرق الملبس، وأنه لو نزل من السماء لظهر من فوق ولم يكن ظهوره من الفتيلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>