قلنا: وكذلك الحفر تذكر بحفرته. فعظموا كل حفرة، واسجدوا لها لأنها كحفرته أيضا بل أولى، لأن خشبة الصلب لم يستقر عليها استقراره فى الحفرة.
ثم يقال: اليد التى مسته أولى أن تعظم من الصليب، فعظموا أيدى اليهود لمسهم إياه وإمساكهم له. ثم انقلوا ذلك التعظيم إلى سائر الأيدى.
فإن قلتم: منع من ذلك مانع العداوة، فعندكم أنه هو الذى رضى بذلك واختاره. ولو لم يرض به لم يصلوا إليه منه، فعلى هذا فينبغى لكم أن تشكروهم وتحمدوهم، إذ فعلوا مرضاته واختياره الذى كان سبب خلاص جميع الأنبياء والمؤمنين والقديسين من الجحيم ومن سجن إبليس، فما أعظم منة اليهود عليكم وعلى آبائكم، وعلى سائر النبيين من لدن آدم عليه السلام إلى زمن المسيح.
والمقصود: أن هذه الأمة جمعت بين الشرك وعيب الإله وتنقصه، وتنقص نبيهم وعيبه ومفارقة دينه بالكلية، فلم يتمسكوا بشيء مما كان عليه المسيح، لا فى صلاتهم ولا فى صيامهم ولا فى أعيادهم. بل هم فى ذلك أتباع كل ناعق، مستجيبون لكل ممخرق ومبطل. أدخلوا فى الشريعة ما ليس منها، وتركوا ما أتت به.
وإذا شئت أن ترى التغيير فى دينهم فانظر إلى صيامهم الذى وضعوه لملوكهم وعظمائهم فلهم صيام للحواريين، وصيام لمار مريم، وصيام لمار جرجس، وصيام للميلاد. وتركهم أكل اللحم فى صيامهم مما أدخلوه فى دين المسيح. وإلا فهم يعلمون أن المسيح عليه السلام كان يأكل اللحم، ولم يمنعهم منه لا فى صوم، ولا فطر.
وأصل ذلك: أن المانوية كانوا لا يأكلون ذا روح، فلما دخلوا فى النصرانية خافوا أن يتركوا أكل اللحم فيقتلوا، فشرعوا لأنفسهم صياما، فصاموا للميلاد والحواريين، ومار مريم، وتركوا فى هذا الصوم أكل اللحم محافظة على ما اعتادوه من مذهب مانى. فلما طال الزمان تبعهم على ذلك النسطورية واليعقوبية. فصارت سنة متعارفة بينهم، ثم تبعهم على ذلك الملكانية.