فكل عاقل يستجهله ويستحمقه فى فعله، إذ قد فعل مع عبد الملك ما كان ينبغى له أن يخص به الملك دون عبيده: من الإكرام، والخضوع، والتذلل.
ومعلوم أن هذا إلى مقت الملك له، وسقوطه من عينه، أقرب منه إلى إكرام له ورفع منزلته.
كذلك حال من سجد لمخلوق، أو لصورة مخلوق، لأنه عمد إلى السجود الذى هو غاية ما يتوصل به العبد إلى رضى الرب، ولا يصلح إلا له، ففعله لصورة عبد من عبيده، وسوى بين الله وبين عبده فى ذلك. وليس وراء هذا فى القبح والظلم شيء ولهذا قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ٣٣] .
وقد فطر الله سبحانه عباده على استقباح معاملة عبيد الملك وخدمه بالتعظيم والإجلال والخضوع، والذل الذى يعامل به الملك. فكيف حال من فعل ذلك بأعداء الملك؟ فإن الشيطان عدو الله والمشرك إنما يشرك به، لا بولى الله ورسوله، بل رسول الله وأولياؤه بريئون ممن أشرك بهم، معادون لهم، أشد الناس مقتاً لهم. فهم فى نفس الأمر إنما أشركوا بأعداء الله، وسووا بينهم وبين الله فى العبادة والتعظيم، والسجود، والذل، ولهذا كان بطلان الشرك وقبحه معلوما بالفطرة السليمة، والعقول الصحيحة، والعلم بقبحه أظهر من العلم بقبح سائر القبائح.
والمقصود: ذكر تلاعب الشيطان بهذه الأمة فى أصول دينهم، وفروعه.
كتلاعبه بهم فى صيامهم. فإن أكثر صومهم لا أصل له فى شرع المسيح، بل هو مختلق مبتدع.
فمن ذلك: أنهم زادوا جمعة فى بدء الصوم الكبير، يصومونها لهرقل مخلص بيت المقدس.
وذلك أن الفرس لما ملكوا بيت المقدس، وقتلوا النصارى، وهدموا الكنائس أعانهم اليهود على ذلك، وكانوا أكثر قتلا وفتكا فى النصارى من الفرس.
فلما سار هرقل إليه استقبله اليهود بالهدايا، وسألوه أن يكتب لهم عهدا. ففعل فلما دخل بيت المقدس، شكا إليه من فيه من النصارى ما كان اليهود صنعوه بهم.