للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: تمهيد عذر العصيان بقولهم: {إنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} [المائدة: ٢٢] .

والثانى: تصريحهم بأنهم غير مطيعين، وصدروا الجملة بحرق تأكيد، وهو "إن" ثم حققوا النفى بأداة "لن" الدالة على نفى المستقبل: أى لا ندخلها الآن، ولا فى المستقبل.

ثم علقوا دخولها بشرط خروج الجبارين منها فقال لهم: {رَجُلاَنِ مِنَ الّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا} [المائدة: ٢٣] .

بطاعته والانقياد إلى أمره، من الذين يخافون الله. هذا قول الأكثرين، وهو الصحيح. وقيل: من الذين يخافونهم من الجبارين، أسلما واتبعا موسى عليه السلام:

{ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} [المائدة: ٢٣] .

أى باب القرية، فاهجموا عليهم، فإنهم قد ملئوا منكم رعبا: {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} [المائدة: ٢٣] .

ثم أرشدهم إلى ما يحقق النصر والغلبة لهم وهو التوكل.

فكان جواب القوم أن {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبّداً مَا دَامُوا فِيهَا، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا ههُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: ٢٤] .

فسبحان من عظم حلمه حيث يقابل أمره بمثل هذه المقابلة، ويواجه رسوله بمثل هذا الخطاب، وهو يحلم عنهم، ولا يعاجلهم بالعقوبة، بل وسعهم حلمه وكرمه، وكان أقصى ما عاقبهم به: أن رددهم فى برية التيه أربعين عاما يظل عليهم الغمام من الحر، وينزل عليهم المن والسلوى.

وفى الصحيحين: عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: "لقد شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به، أتى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكنا نقاتل عن يمينك وشمالك، وبين يديك ومن خلفك. فرأيت رسول الله صلى الله تعالى وسلم أشرق وجهه لذلك وسر به".

<<  <  ج: ص:  >  >>