والثانى: تصريحهم بأنهم غير مطيعين، وصدروا الجملة بحرق تأكيد، وهو "إن" ثم حققوا النفى بأداة "لن" الدالة على نفى المستقبل: أى لا ندخلها الآن، ولا فى المستقبل.
ثم علقوا دخولها بشرط خروج الجبارين منها فقال لهم:{رَجُلاَنِ مِنَ الّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا}[المائدة: ٢٣] .
بطاعته والانقياد إلى أمره، من الذين يخافون الله. هذا قول الأكثرين، وهو الصحيح. وقيل: من الذين يخافونهم من الجبارين، أسلما واتبعا موسى عليه السلام:
{ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ}[المائدة: ٢٣] .
أى باب القرية، فاهجموا عليهم، فإنهم قد ملئوا منكم رعبا:{فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}[المائدة: ٢٣] .
ثم أرشدهم إلى ما يحقق النصر والغلبة لهم وهو التوكل.
فسبحان من عظم حلمه حيث يقابل أمره بمثل هذه المقابلة، ويواجه رسوله بمثل هذا الخطاب، وهو يحلم عنهم، ولا يعاجلهم بالعقوبة، بل وسعهم حلمه وكرمه، وكان أقصى ما عاقبهم به: أن رددهم فى برية التيه أربعين عاما يظل عليهم الغمام من الحر، وينزل عليهم المن والسلوى.
وفى الصحيحين: عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: "لقد شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به، أتى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكنا نقاتل عن يمينك وشمالك، وبين يديك ومن خلفك. فرأيت رسول الله صلى الله تعالى وسلم أشرق وجهه لذلك وسر به".