ثم كان منهم فى شأن المسيح ورميه وأمه بالعظائم، وهم يعلمون أنه رسول الله تعالى إليهم فكفروا به بغيا وعنادا، وراموا قتله وصلبه، فصانه الله تعالى من ذلك، ورفعه إليه، وطهره منهم. فأوقعوا القتل والصلب على شبهه، وهم يظنون أنه رسول الله عيسى صلى الله تعالى عليه وسلم. فانتقم الله تعالى منهم، ودمر عليهم أعظم تدمير، وألزمهم كلهم حكم الكفر بتكذيبهم بالمسيح كما ألزم النصارى معهم حكم الكفر بتكذيبهم بمحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
ولم يزل أمر اليهود بعد تكذيبهم بالمسيح وكفرهم به فى سفال ونقص إلى أن قطعهم الله تعالى فى الأرض أمما، ومزقهم كل ممزق، وسلبهم عزهم وملكهم، فلم يقم لهم بعد ذلك مُلك إلى أن بعث الله تعالى محمدا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فكفروا به وكذبوه، فأتم عليهم غضبه، ودمرهم غاية التدمير، وألزمهم ذلا وصغارا لا يرفع عنهم إلى أن ينزل أخوه المسيح من السماء، فيستأصل شأفتهم، ويطهر الأرض منهم، ومن عباد الصليب.
قال تعالى:{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ الله بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ الله مِنْ فَضْلِه عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}[البقرة: ٩٠] .
فالغضب الأول: بسبب كفرهم بالمسيح، والغضب الثانى: بسبب كفرهم بمحمد، صلوات الله وسلامه عليهما.
فصل
ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة: أن ألقى إليهم أن الرب تعالى محجور عليه فى نسخ الشرائع، فحجروا عليه أن يفعل ما يشاء