وأيضا، فيقال للأمة الغضبية: هل أنتم اليوم على ما كان عليه موسى عليه السلام؟ فإن قالوا: نعم قلنا أليس فى التوراة أن من مس عظم ميت، أو وطئ قبرا، أو حضر ميتا عند موته، فإنه يصير من النجاسة بحال لا مخرج له منها إلا برماد البقرة التى كان الإمام الهارونى يحرقها؟ فلا يمكنهم إنكار ذلك.
فيقال لهم: فهل أنتم اليوم على ذلك؟.
فإن قالوا: لا نقدر عليه، فيقال لهم: لم جعلتم أن من مس العظم والقبر والميت طاهرا يصلح للصلاة، والذى فى كتابكم خلافه؟.
فإن قالوا: لأنا عدمنا أسباب الطهارة، وهى رماد البقرة، وعدمنا الإمام المطهر ليستغفر.
فيقال لهم: فهل أغناكم عدمه عن فعله، أو لم يغنكم؟
فإن قالوا: أغنانا عدمه عن فعله.
قيل لهم: قد تبدل الحكم الشرعى من الوجوب إلى إسقاطه لمصلحة التعذر.
فيقال: وكذلك يتبدل الحكم الشرعى بنسخه لمصلحة النسخ، فإنكم إن بنيتم على اعتبار المصالح والمفاسد فى الأحكام، فلا ريب أن الشيء يكون مصلحة فى وقت دون وقت، وفى شريعة دون أخرى، كما كان تزويج الأخ بالأخت مصلحة فى شريعة آدم عليه السلام، ثم صار مفسدة فى سائر الشرائع، وكذلك إباحة العمل يوم السبت كان مصلحة فى شريعة إبراهيم عليه السلام ومن قبله وفى سائر الشرائع، ثم صار مفسدة فى شريعة موسى عليه السلام، وأمثال ذلك كثيرة.
وإن منعتم مراعاة المصالح فى الأحكام، ومنعتم تعليلها بها، فالأمر حينئذ أظهر، فإنه سبحانه يحلل ما يشاء، ويحرم ما يشاء، والتحليل والتحريم تبع لمجرد مشيئته، لا يسأل عما يفعل.
وإن قلتم: لا نستغنى فى الطهارة عن ذلك الطهور الذى كان عليه أسلافنا، فقد أقررتم بأنكم الأنجاس أبدا، ولا سبيل لكم إلى حصول الطهارة.