للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا ومثله فى نبوة موسى سواء، كما أنكم لا تثبتون نبوءة موسى ببرهان إلا وأضعافه شاهد على نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. فمن أبين المحال أن يكون موسى رسولا صادقا ومحمد ليس برسول، أو يكون المسيح رسولا ومحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ليس برسول.

ويقال للأمة الغضبية أيضا: لا يخلو المحرم، إما أن يكون تحريمه لعينه وذاته، بحيث تمنع إباحته فى زمان من الأزمنة، وإما أن يكون تحريمه لما تضمنه من المفسدة فى زمان دون زمان، ومكان دون مكان، وحال دون حال.

فإن كان الأول، لزم أن يكون ما حرمته التوراة محرما على جميع الأنبياء فى كل زمان ومكان، من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء عليهم السلام.

وإن كان الثانى، ثبت أن التحريم والإباحة تابعان للمصالح، وإنما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والحال، فيكون الشيء الواحد حراما فى ملة دون ملة، وفى وقت دون وقت، وفى مكان دون مكان، وفى حال دون حال. وهذا معلوم بالاضطرار من الشرائع، ولا يليق بحكمة أحكم الحاكمين غير ذلك.

ألا ترى أن تحريم السبت لو كان لعينه لكان حراما على إبراهيم ونوح وسائر النبيين؟.

وكذلك ما حرمته التوراة من المطاعم والمناكح وغيرها لو كان حراما لعينه وذاته لوجب تحريمه على كل نبى وفى كل شريعة.

وإذا كان الرب تعالى لا حجر عليه، بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويبتلى عباده لما يشاء، ويحكم ولا يحكم عليه. فما الذى يحيل عليه ويمنعه أن يأمر أمة بأمر من أوامر الشريعة، ثم ينهى أمة أخرى عنه أو يحرم محرما على أمة ويبيحه لأمة أخرى؟.

بل أى شيء يمنعه سبحانه أن يفعل ذلك فى الشريعة الواحدة فى وقتين مختلفين، بحسب المصلحة، وقد بين ذلك سبحانه وتعالى بقوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِير * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْك السَّموَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: ١٠٦- ١٠٧] .

فأخبر سبحانه أن عموم قدرته وملكه وتصرفه فى مملكته وخلقه لا يمنعه أن ينسخ ما يشاء، ويثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>